فأما حمل النصب على موضع الجار والمجرور ، فهو جائز وشائع ، الا أنه موجب للمسح دون الغسل ، لان الرءوس ممسوحة ، فما عطف على موضعها يجب أن يكون ممسوحا مثلها ، الا أنه لما كان إعمال أقرب العاملين أولى وأكثر في القرآن ولغة العرب ، وجب أن يكون جر الآية (١) حتى تكون معطوفة على لفظة الرءوس أولى من نصبها وعطفها على موضع الجار والمجرور ، لأنه أبعد قليلا ، فلهذا ترجحت القراءة بجر الأرجل على القراءة بنصبها.
ومما يبين أن حمل حكم الأرجل على حكم الرءوس في المسح أولى ، أن القراءة بالجر يقتضي المسح ولا يحتمل سواه ، فالواجب حمل القراءة بالنصب على ما يطابق معنى القراءة بالجر ، لان القراءتين المختلفتين تجريان مجرى آيتين في وجوب المطابقة بينهما ، وهذا الوجه يرجح القراءة بالجر للأرجل على القراءة بالنصب لها.
ثم قال صاحب الكلام : فان قال قائل : انه إذا نصب فقال (وَأَرْجُلَكُمْ) جاز أيضا أن يكون محمولا على المسح ، كما قال : مررت بزيد وعمرا. فحملوا عمرا على موضع الجار والمجرور ، حيث كانا في موضع نصب ، فلم لا يقولون : ان الجر أحسن وان المسح أولى من الغسل ، لتجويز القراءتين جميعا بالمسح ، ولان من نصب فقال : «وأرجلكم» يجوز في قوله أن يريد المسح فيها نصب للحمل على الموضع. والذي يجر «وأرجلكم» لا يكون الا على المسح دون الغسل ، وكيف لم يقولوا ان المسح أو (٢) الغسل ، لجوازه في القراءتين جميعا ، وانفراد الجر في قوله «وأرجلكم» بالمسح من غير أن يحتمل
__________________
(١) في الهامش : الأرجل.
(٢) لعله : أولى من.