ويدل أيضاً على ما ذكرناه قوله تعالى (ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ)(١) وهذا صريح بأن السيئة منا لا منه.
وليس لهم أن يقولوا في الحسنات والطاعات ، وهي عندكم فعل العباد ، فكيف أضافها الله تعالى الى نفسه. لأن الطاعة وان كانت من فعلنا ، فقد يصح أن يضيفها الله من حيث التمكين فيها والتعريض لها والدعاء إليها فيها ، وهذه أمور تحسن هذه الإضافة. ولا يجوز ذلك في السيئة ، لأنه تعالى نهى عنها ومنع من فعلها وفعل كل شيء يصرف (٢) عن فعلها.
فأما قوله تعالى (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ)(٣) فلا يعارض ما ذكرناه ، لان المراد بالسيئة هاهنا الأمراض والمصائب والقحط ، لان قريشاً كانت إذا نزل بها خصب وخفض قالوا : هذا من عند الله ، وإذا نزل بهم شدة ومجاعة قالوا : هذا شؤم محمد حاشا له من ذلك فبين تعالى أن ذلك من الله تعالى.
وقوله تعالى (وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتابِ وَما هُوَ مِنَ الْكِتابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)(٤) ولو كان من خلق الله لكان من عنده على آكد الوجوه.
وقوله تعالى (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)(٥) يدل على صحة ما نذهب اليه من وجهين
__________________
(١) سورة النساء : ٧٩.
(٢) ظ : يوجب فعلها.
(٣) سورة النساء : ٧٨.
(٤) سورة آل عمران : ٧٨.
(٥) سورة الذاريات : ٥٦.