أحدهما : أنه تعالى أضاف العبادة إليهم ، فلو كانت مخلوقة فيهم لاضافها اليه تعالى لا إليهم.
ومن الوجه الأخر : أن هذا القول يقتضي أن غرضه في خلقهم أن يعبدوه ، لان اللام في قوله تعالى (لِيَعْبُدُونِ) هي لام الغرض ، بدلالة قولهم جئتك لتكرمني وقصدتك لتنفعني أي غرضي في قصدك الإكرام والنفع.
وليس يجري هذا الكلام مجرى قوله (وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ)(١) لأن تلك اللام لام عاقبة ، وجارية مجرى قوله تعالى (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً)(٢) ونحن نعلم أنهم انما التقطوه ليكون لهم صديقاً سئا (٣) ، وأخبر أن العاقبة لما كانت هي العداوة أدخلت هذه اللام فيه ، ويجري ذلك مجرى قول الشاعر :
فللموت تغذو الوالدات سخالها |
|
كما لخراب الدهر تبنى المساكن |
وقوله :
لدوا للموت وابنوا للخراب
ولا يجوز أن يكون اللام في قوله «ليعبدون» لام عاقبة لا لام غرض ، لانه لو كانت كذلك لكانت العبادة شاملة للجن والانس وواقعة من جميعهم ، إذ كانت اللام منبئة عن عاقبتهم. ومعلوم أن في الجن والانس كثيراً من لا يعبد الله ويجحده ولم يقر به ، فعلمنا أنه لام غرض.
فان قالوا : كيف يجوز أن يقع من العباد ما لم يقضه الله تعالى والمسلمون
__________________
(١) سورة الأعراف : ١٧٩.
(٢) سورة القصص : ٨.
(٣) ظ : أنيساً.