يأبون ذلك ويطلقون أنه لا يخرج من قضاء الله شيء.
قلنا : القضاء في لغة العربية على وجوه :
أحدها : أن يكون بمعنى الاعلام العلم ، كقوله تعالى (وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً)(١) وانما أراد الله تعالى الاعلام بغير شبهة.
فعلى هذا الوجه لا يخرج شيء من قضاء الله ، كما لا يخرج من معلومه ، وأنت إذا وصفت على من أطلق من أهل الحمد والسلامة لم يقسر (٢) إلا بالعلم دون غيره.
وقد يكون القضاء بمعنى الأمر ، قال الله تعالى (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ)(٣) ومعلوم عند جميع المسلمين أن المعاصي والكفر ليسا مما أمر الله تعالى ، بل نهى عنه وحذر وزجر. وأحد من المسلمين لا يقول ان الله تعالى أمر بالمعاصي والقبائح. ولا شبهة في أن الله تعالى ما قضى بجميع الكائنات على هذا الوجه ، لانه تعالى ما أمر بجميعها.
ومن وجوه القضاء الحكم والإلزام ، من قولهم «قضى وبكذا وكذا» إذا ألزمه ، ومعلوم أن الله تعالى ما حكم بالظلم ولا ألزمه. وهذا الوجه غير عام من وجوه القضاء (٤) هو العلم.
فان قيل : كيف يجوز أن يكون العبد فاعلا والله فاعل ، وهذا يقتضي الشركة.
قلنا : العبد وان كان فاعلا ، فبأقدار الله تعالى على الافعال وتمكينه منه ،
__________________
(١) سورة الإسراء : ٤.
(٢) ظ : لم يفسر ، وبعده بياض في النسخة.
(٣) سورة الإسراء : ٢٣.
(٤) في الهامش : وبرة القضاة.