اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ)(١) فنحن نبين تأويلها عند البلوغ إليها ونذكر أن المراد بخلاف ما ظنوه بإذن الله تعالى.
ومما قيل في ذلك أيضاً : أن المشركين كانوا تواصوا بأن لا يصغوا الى القرآن وان يلغوا فيه ويعرضوا عنه ، فافتتح كلامه جل وعز بهذه الحروف المنضمة ليسمعوها فيصغوا إليها ، مستدعين لها متعجبين من ورودها ، فيرد عليهم بعدها من الكلام ما يحتاجون الى استماعه وفهم معانيه ، حتى يصير ما قدمه داعياً الى الاستماع والإصغاء ، داعيين الى الفهم والقبول.
وهذا ليس بشيء ، لأن الخطاب والكلام مما لا يحسن إلا للفائدة التي لا تفهم الا به. ولا يجوز أن يقوم فيه الأغراض المختلفة مقام الإفادة ، فلا يجوز ان يخاطبهم بما لا فائدة فيه ، حتى يحثهم ذلك الى استماع الكلام المفهوم ، لان الكلام مما لا يفيد وجهاً في قبحه.
ولا يجوز أن يخرجه عن هذا الوجه مما فيه من الوجوه المستحسنة ، على أنه إذا كانوا انما يلغون في كلامه ويعرضون عن بيانه عناداً عصبية ، فليس بنافع ان يقوم أمام كلامه هذه الحروف ، إذا أورد عليهم بعدها الكلام المتضمن للأمر والنهي. والاخبار ، عدلوا عن استماعه ولغوا فيه وصارما أورده من المقدمة عاراً أو نقصاً لا يجر نفعاً ، ويجعلونه من أوكد الحجة عليه ، لأنهم كانوا يقولون له : أنت تزعم أن الكتاب الذي جئت به بلساننا ولغتنا ، وقد قدمت فيه ما لا نعرف تألفه ولا نتخاطب بمثله.
وقد قيل أيضاً : ان معنى تقديم هذه الحروف لافتتاح الكلام وابتدائه ،
__________________
(١) سورة آل عمران : ٧.