خلقه وتكليفه مع علمه بأن عاقبته تؤدي إلى هذه الحالة : سعيا في الإضرار والإيلام. وذلك لا يليق بالرحمة.
قال أهل السنة والجماعة : الرحمة الكرم إنما تتحقق على مذهبنا ، لا على مذهب المعتزلة. وذلك لأن الجود هو إفادة ما ينبغي ، لا لغرض. وعند المعتزلة أنه تعالى لو لم يعط الثواب والعوض ، فإنه يستحق الذم ، فهو بإعطاء ذلك الثواب ، وذلك العوض ، يتخلص من الذم ، وإذا تفضل فقد اكتسب استحقاق الحمد من العبد. ولو لا ذلك التفضل ، لما حصل ذلك الاستحقاق. فثبت : أنه تعالى بإعطاء تلك المنافع قد اكتسب لنفسه منفعة وعوضا. فلم يكن هذا جودا. فأما على قولنا : إنه لا يجب على الله لأحد شيئا ، وأنه مستحق الثناء والحمد لذاته ، لا لأمر منفصل (١) عن ذاته. لم يكن [لفعل (٢)] شيء من أنواع الجود والكرم ، أثر في تخليته (٣) عن الذم ، ولا أثر في تحصيل مزيد استحقاق الحمد. فكانت عطاياه محض الجود والكرم والرحمة. والرحيم هو الذي يرحم وليس من شروطه أن لا يفعل الرحمة. فهو تعالى رحيم لمن أراد ، وقهار لمن أراد. كما أنه تعالى نافع ضار.
واسم الرحمن يدل على المبالغة في الرحمة. وهذه المبالغة إشارة إلى وجهين :
الأول : إن كل ما سواه فإنما يرحم لاكتساب عوض. وهو إما استحقاق الثواب ، أو استحقاق الثناء ، أو التخلص من الذمة ، أو دافع الرقة الحقيقية عن القلب. وكل ذلك أعواض. فأما الحق سبحانه فإنه يرحم لا لغرض أصلا. فكانت رحمته هي الرحمة الحقيقة. ولهذا السبب استحق أن يسمى رحمانا.
والثاني : إن جميع الخلق لا يرحمون أحدا ، إلا إذا حصلت في قلوبهم
__________________
(١) متصل (م).
(٢) من (ط).
(٣) تخليفة (م).