فيلزم : أن يجتمع النفي والإثبات على الشيء الواحد. وهو محال. فثبت بما ذكرنا : أن وقوع مقدور الله بقدرة غير الله : يفضي إلى هذه الأقسام الباطلة ، فيكون القول به باطلا.
الوجه الثاني : وهو أن مقدور الله تعالى لو وقع بقدرة العبد ، فعند وقوعه بقدرة العبد لا يبقى لله تعالى قدرة على إيقاعه ، لأن إيجاد الموجود محال. فيلزم أن يقال : إن العبد منع الله من الفعل وأعجزه عنه ، بعد أن كان [الله (١)] قادرا عليه. ومعلوم : أن ذلك محال. لا يقال : إنه تعالى إذا علق مقدور نفسه. فبعد دخول ذلك المقدور في الوجود ، لا يبقى الله تعالى على إيجاده قادرا. فيلزمكم أن تقولوا : إنه تعالى أعجز نفسه. لأنا نقول : هذا غير وارد. لأن معنى كونه (٢) تعالى قادرا على ذلك الفعل : انه (٣) يمكنه إيجاده وتكوينه. فإذا [وقع (٤)] هذا المعنى لم يكن ذلك قادحا في كونه تعالى قادرا على الفعل. بل يكون ذلك مقدورا لهذا المعنى. أما إذا قاومه غيره ، ودفعه عنه ، ومنعه منه ، بعد أن كان قادرا عليه ، كان هذا تعجيزا. فظهر الفرق.
وبالله التوفيق
البرهان الثالث
لو كان العبد موجدا لأفعال نفسه ، لكنا إذا فرضنا أنه إذا حاول تحريك جسم ، وفرضنا : أن الله تعالى حاول تسكينه. فإما أن يقع المرادان ، أو لا يقع واحد منهما ، أو يقع أحدهما دون الثاني. والأقسام الثلاثة باطلة ، فالقول بأن العبد موجد باطل. إنما قلنا : إنه يمتنع حصول المرادين ، لأنه يلزم أن يصير الجسم الواحد ، في الوقت الواحد ، متحركا وساكنا معا. وهو محال.
__________________
(١) من (ط).
(٢) لكونه (ط).
(٣) إلا أنه (ط).
(٤) سقط (م).