ان تقسيمه الى الوجوب والندب يقتضي ذلك وان كان المنسبق من الاطلاق هو الوجوب بمعونة مقدمات الحكمة بتقريب : ان حقيقة الوجوب هو الطلب التام الذي ليس له حد ، بخلاف الندب فان طلبه محدود من جهة النقص فحينئذ ارادة الوجوب لا تحتاج الى قرينة فعدمها يدل على الوجوب بخلاف ارادة الندب فانها تحتاج الى بيان حدود النقص ، وبالجملة لو ورد الكلام من دون قرينة يحمل على الوجوب لعدم احتياجه الى مئونة زائدة ولا يحمل على الندب لاحتياجه الى المئونة (١).
الجهة الرابعة : في انه ما المراد من الطلب هل هو الطلب الحقيقي أم الانشائي ، وبيانه يحتاج الى معرفة أقسام الطلب فنقول : الطلب يطلق تارة ويراد به الحقيقي من غير فرق بين ان يكون عين الارادة أو غيرها ، واخرى يطلق ويراد منه الطلب المفهومي ، وهو الذي يفهم من الاستعمال ، وثالثة يطلق ويراد به الطلب الانشائي. وهو عبارة عن الطلب المفهومي المبرز بعالم اللفظ مع قصد الموجدية ، والأستاذ (قدسسره) ـ فى الكفاية ـ جعل المراد منه هو الأخير وربما يشكل عليه بانه كيف يجعل الطلب الانشائي متعلقا للقول في مقام تعريفه بانه الطلب بالقول والمفروض ان الانشائية كيفية متصيدة من الاستعمال القولي فحينئذ يكون من شئون الاستعمال وطواريه ، فكيف يجعل من مدلول الأمر. اللهم إلا أن يقال بان هذه الكيفية الحاصلة من الاستعمال لما كانت فانية في المعنى ومتحدة معه
__________________
(١) لا يخفى ان الطلب لا يتصف بالتام والناقص كما ان باعتبار كشفه عن الارادة ، لا يفرق فيها بين الوجوب والندب إذ الارادة في الوجوب بعينها ارادة في الندب ، ولا معنى للفرق بين الارادتين بالشدة والضعف ، وانما الفرق بين الوجوب والاستحباب هو بالنسبة الى الملاك والمصلحة ، ففى الوجوب المصلحة تقتضي المنع عن الترك ، وفي الندب المصلحة تقتضي جواز الترك.