والكم والكيف والإضافة على ما بينا في كتاب «التقريب» والحمد لله رب العالمين.
فانتفى التفاوت عن كل ما خلق الله تعالى وعادت الآية المذكورة حجة على المعتزلة ضرورة لا منفك لهم عنها ، وهي أنه لو كان وجود الكفر والكذب والظلم تفاوتا كما زعموا لكان التفاوت موجودا في خلق الرحمن وقد كذّب الله عزوجل ذلك ونفى أن يرى في خلقه تفاوت.
وأما اعتراضهم من طريق النظر بأن قالوا : إنه تعالى إن كان خلق الكفر والمعاصي فهو إذن يغضب مما فعل ، ويغضب مما خلق ، ولا يرضى مما صنع ، ويسخط ما فعل ، ويكره ما يفعل ، وأنه يغضب ويسخط من تدبيره وتقديره ، فهو تمويه ضعيف ، ونحن لا ننكر ذلك إذ أخبرنا عزوجل به ، وقد أخبرنا تعالى أنه يسخط الكفر والظلم والكذب ولا يرضاه ، وأن كل ذلك مكروه لديه ولا يرضاه ، فليس إلا التسليم لله عزوجل ، ثم نعكس عليهم هذا السؤال بعينه فنقول لهم : أليس الله تعالى هو خالق إبليس وفرعون والخمر والكفار ...؟ فلا بد من نعم. فنقول لهم : أيرضى عزوجل عن هؤلاء كلهم أم يسخط ..؟ فلا بد من أنه ساخط عليهم ، كاره لهم غضبان عليهم ، غير راض عنهم.
فنقول لهم : هذا نفس ما أنكرتم من أنه تعالى يسخط تدبيره ، ويغضب من فعله ، ويكره ما خلق ويلقيه.
فإن قالوا : لم يكره عين الكفر ولا سخط شخص إبليس ، ولا كره عين الخمر ، لم نسلم لهم ذلك ، لأنه تعالى قد نص على أنه لعن إبليس والكفار ، وأنهم مسخطون ملعونون مكروهون من الله تعالى مغضوب عليهم ، وكذلك الخمر والأوثان. وقال تعالى : (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [سورة المائدة آية رقم : ٩٠]. وقال تعالى : (أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ) [سورة الأنعام : ٤٥].
وقد سمى الله تعالى كل ذلك رجسا ثم أمر تعالى بعد ذلك باجتنابه وأضاف كل ذلك إلى عمل الشيطان ، ولا خلاف في أنه عزوجل خالق كل ذلك ، فهو خالق الرجس بالنص ، ولا فرق في المعقول بين خالق الرجس وخالق الكفر والظلم والكذب.
وقال تعالى : (وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها) [سورة الشمس : ٧ ، ٨].
فأخبر الله تعالى أنه هو الذي ألهم التقوى والفجور النفوس.
فعلى قول هؤلاء المخاذيل أنه مما ألهم ويكرهه ، وإلهامه فعله بلا شك ضرورة ، فقد صحّ عليهم ما شنّعوا به من أنه تعالى يغضب من فعله أيضا.