فيقال لهم : هل الله تعالى قادر على منع الظالم من ظلم المظلوم ، وعلى منع الذين قتلوا رسل الله صلّى الله عليهم وسلم على أن يحول بين الكافر وكفره بأن يميته قبل أن يبلغ ، وبين الزاني وزناه بإضعاف جارحته ، أو بشغل يشغله به ، أو تيسير إنسان يطلّ عليهما؟ أم هو عاجز عن ذلك كله غير قادر على شيء منه ..؟ ولا سبيل إلى قسم ثالث.
فإن قالوا : هو غير قادر على شيء من ذلك عجّزوا ربهم ، وكفروا وبطلت أدلتهم على إحداث العالم ، إذ أضعفوا قدرة ربهم عن هذا اليسير السهل ، وإن قالوا : بل هو قادر على ذلك كله فقد أقروا أيضا على أنه رأى المنكر والكفر والزنى والظلم وأقره ولم يغيره ، وأطلق أيدي الكفار على قتل أنبيائه وضربهم ، ومع إقراره إياهم على ذلك فلم يكتف به ، حتى قواهم بجوارحهم وآلاتهم ، وكف كل مانع ، وهذا على قولهم أنه رضا منه تعالى بالكفر على كل ذلك ، وكل ما ذكر بإرادته واختيار منه تعالى لكل ذلك ، وهذا كفر مجرد ، وإما أنه يغضب ممّا أقر ويسخط مما أعان عليه ، ويكره مما فعل من إقرارهم على كل ذلك ، وهذا هو الذي شنّعوه به ، ولا بد من أحد الوجهين ضرورة ، وكلاهما خلاف قوله إلا أن هذا لازم لهم على أصولهم ، ولا يلزمنا نحن شيء منه ، لأننا ما نقبح إلّا ما قبّح الله تعالى ولا نحسّن إلا ما حسّن الله تعالى.
فإن قالوا : إنما أقره لينتقم منه ، وإنما كان يكون سفها وعبثا لو أقره أبدا. قيل لهم : أي فرق بين إقراره عزوجل للكفر والظلم والكذب ساعة وبين إبقائه ذلك ساعة بعد ساعة وهكذا أبدا بلا نهاية أو نهاية في الحسن والقبح؟ وإلا فعرفونا الأمر الذي يكون إقرارهم الظلم والكفر والكذب إليه حكمة وحسنا ، وإذا تجازوه صار عبثا وسفها ، فإن تكلفوا أن يحدّوا في ذلك حدّا أتوا بالجنون والسّخف والكذب ، والدعوى التي لا يعجز عنها أحد. وإن قالوا : لا ندري وردّوا العلم في ذلك إلى الله عزوجل صدقوا. وهذا هو قولنا : أن كل ما فعله الله تعالى من تكليفه ما لا يطاق وتعذيبه عليه وخلقه الظلم والكفر في الظالم والكافر وإقراره كل ذلك ثم تعذيبهما عليه وخلقه وغضبه وسخطه إياه كل ذلك من الله عزوجل حكمة وعدل وحقّ وممن دونه سفه وظلم وباطل ، لا يسأل عما يفعل تعالى وهم يسألون. وأما قولهم من فعل شيئا وجب أن ينسب إليه وأنه لا يعقل ولا يوجد غير هذا وإيجابهم هذا الاستدلال إلى أن يسمى الله تعالى ظالما لأنه خلق الظلم وكذلك من الكفر والكذب فهذا ينتقض عليهم من وجهين :
أحدهما : أنه تشبيه محض ، لأنهم يريدون أن يحكموا على الباري تعالى بحكم الموجود الجاري على خلقه.