ويقال لهم : إذا لم تجدوا في الشاهد فاعلا إلا جسما ولا عالما إلّا بعلم هو غيره ، ولا حيا إلا بحياة هي عرض فيه ، ولا مخبرا عنه إلا جسما أو عرضا وما لم يكن كذلك فهو معدوم ولا يتوهم ولا يعقل ، ثم رأيتم الله تعالى بخلاف ذلك كله ولم تحكموا عليه بالحكم فيما وجدتم ، فقد وجب ضرورة أن لا يحكم عليه تعالى بالحكم عندنا في أن يسمى في أفعاله ولا في أن ينسب إليه كما ينسب إلينا بخلاف ذلك بالبرهان الضروري. وهو أن الله تعالى خلق كل ما خلق من ذلك مخترعا له كيفية مركبة في غيره ، فهكذا هو فعل الله تعالى فيما خلق.
وأما فعل عباده لما فعلوا فإنما معناه أنه ظهر منهم ذلك الفعل عرضا محمولا في فاعله ، لأن ذلك إما حركة في متحرك ، وإما سكونا في ساكن ، أو اعتقادا في معتقد ، أو فكرا في متفكر ، أو إرادة من مريد ، ولا مزيد ، فبين الأمرين فرق بيّن لا خفاء به على من له أقل فهم.
وأما المدح والذم واشتقاق اسم الفاعل من فعله فليس كما ظنوا لكن الحق هو أنه لا يستحق أحد مدحا ولا ذما إلا من مدحه الله ورسوله صلىاللهعليهوسلم أو ذمه وقد أمرنا الله تعالى بحمده والثناء عليه ، فهو عزوجل محمود على كل ما فعل محبوب لكل ذلك.
وأما من دونه عزوجل فمن حمد الله تعالى فعله فهو ممدوح محمود وأما من ذم عزوجل فعله الذي أظهره فيه فهو مذموم ولا مرية.
وبرهان ذلك إجماع أهل الإسلام على أنه لا يستحق الحمد والمدح إلا من أطاع الله عزوجل ، ولا يستحق الذم إلا من عصاه ، وقد يكون العبد محمودا مطيعا اليوم ممدوحا بفعله إن فعله اليوم ، وكافرا مذموما به إن فعله غدا ، كالحج في أشهر الحج ، وفي غير أشهر الحج ، وكصوم يوم الفطر والأضحى ، وصوم رمضان ، وكالصلاة في الوقت وقبل الوقت أو بعده وكسائر الشرائع كلها ، وقد وجدنا فاعلا للكذب قائلا له ، وفاعلا للكفر قائلا له ، وهما غير مذمومين ولا يسمى أحد منهما كافرا ولا كاذبا ، وهما الحاكي والمكره ، فبطل ما ظنت المعتزلة بأن من فعل الكذب فهو كاذب ، ومن فعل الكفر فهو كافر ، ومن فعل الظلم فهو ظالم ، فصح أنه لا يكون كافرا ولا كاذبا إلا من سمّاه الله عزوجل كافرا أو ظالما ، وأنه لا كفر ولا ظلم ، ولا كذب ، إلّا ما سمّاه الله كفرا ، وكذبا ، وظلما.
فصحّ بالضرورة التي لا محيد عنها أنه ليس في العالم شيء ممدوح لعينه ولا مذموم لعينه ولا كفر لعينه ولا ظلم لعينه.