وأما ما لا يقع عليه اسم طاعة ولا معصية ولا حكمهما ، وهو الله تعالى فلا يجوز أن يوقع عليه مدح ولا ذم ولا حمد إلا بنص من قبله ، ونحمده كما أمرنا أن نقول : الحمد لله رب العالمين.
وأما من دونه تعالى ممن لا طاعة تلزمه ولا معصية كالحيوان من غير الملائكة والحور العين والإنس والجن ، فكالجمادات فلا تستحق مدحا ولا ذما ، لأن الله تعالى لم يأمرنا بذلك فيها ، فإن وجد له أمر مدح لشيء منها أو ذمه ، وجب الوقوف عند أمره تعالى ، كأمره بمدح الكعبة ، والمدينة ، والحجر الأسود ، وشهر رمضان ، والصلاة وغير ذلك ، وكأمره تعالى بذم الخمر ، والخنزير ، والميتة ، والكنيسة والكفر ، والكذب ، وما أشبه ذلك ، وأما ما عدا هذين القسمين فلا مدح ولا ذم. وأما اشتقاق اسم الفاعل من فعله فكذلك أيضا ولا فرق وليس لأحد أن يسمي شيئا إلا بما أباحه الله تعالى في الشريعة ، أو في اللغة التي أمرنا بالتخاطب بها. وقد وجدناه تعالى أخبر أن له كيدا ومكرا ، وأنه يكيد ويمكر ويستهزىء وينسى ما نسيه ، وهذا كله لا تدفعه المعتزلة ولو دفعته لكفرت لردها نص القرآن وهم مجمعون معنا على أنه لا يسمى باسم مشتق من ذلك.
فلا يقال له ماكر من أجل أن له مكرا ، ولا أنه كياد من أجل أنه يكيد ، وأن له كيدا ، ولا مستهزئا من أجل أنه يستهزىء. فقد بطل ما صوروه من أن كل من فعل فعلا فإنه يسمى منه ، وينسب إليه.
ولا يشغب هاهنا مشغب مع من لا يحسن المناظرة فيقول : إنما قلنا : إنه يكيد ويستهزىء وإنه يمكر على معنى المعارضة. فإنا نقول : صدقت ولم نخالفك في هذا لكن ألزمناك أن تسمّيه تعالى كيّادا ، وماكرا ، ومستهزئا ، وناسيا ، على معنى المعارضة ، كما يقول فقط ، فإن أبى من ذلك وقال : إن الله عزوجل لم يسمّ بشيء من ذلك نفسه ، فقد رجع إلى الحق ، ووافقنا في أن الله تعالى لا يسمّى ظالما ، ولا كاذبا ، ولا كافرا ، من أجل خلقه الظلم ، والكفر ، والكذب ، لأنه تعالى لم يسمّ نفسه بذلك ، فإن أنكر ذلك تناقض ، وظهر بطلان قوله في مذهبه.
قال أبو محمد : وقد وافقونا على أنه تعالى خلق الخمر وحبل النّساء ولا يجوز أن يسمّى خمّارا ، ولا محبلا ، وأنه تعالى خلق أصباغ القماري والهداهد ، والحجل ، وسائر الألوان ، ولا يجوز أن يسمّى صباغا ، وأنه تعالى بنى السماء ولا يسمى بناء وأنّه تعالى سقانا الغيث ومياه الأرض ولا يسمى سقاء ولا ساقيا.