وأنه تعالى خلق الخمر ، والخنزير ، وإبليس ، ومردة الشياطين ، وكذلك كل سوء وسيّئ ، وخبيث ، ورجس ، ونجس ، وشر ، ولا يسمى من أجل ذلك مسيئا ولا شريرا فأيّ فرق بين هذا كله وبين أن يخلق الشر والظلم ، والكذب ، والكفر ، ومعاصي عباده ولا يسمى بذلك مسيئا ولا ظالما ، ولا كاذبا ، ولا شريرا ولا فاحشا؟ والحمد لله على ما منّ به من الهدى والتوفيق وهو المستزاد من فضله لا إله إلا هو.
ويقال لهم أيضا : أنتم تقولون بأنه خلق القوة التي بها يكون الكفر ، والكذب ، الظلم ، ووهبها لعباده ولا تسمونه من أجل ذلك مقويا على الكفر ، ولا معينا للكافر في كفره ، ولا مسببا للظلم ولا واهبا للكفر ، وهذا بعينه هو الذي عبتم وأنكرتم.
ويقال لهم أيضا : أخبرونا عن تعذيبه أهل جهنم في النار أمحسن هو بذلك إليهم أم مسيء؟ فإن قالوا : محسن إليهم ، قالوا : الباطل وخالفوا أصلهم ، وسألناهم أن يسألوا لأنفسهم ذلك الإحسان نفسه وإن قالوا : إنه مسيء إليهم كفروا وإن قالوا مسيئا قلنا لهم فهم في إساءة أو إحسان؟ فإن قالوا : ليسوا في إساءة كابروا العيان ، وإن قالوا بل هم في إساءة ، قلنا لهم : هذا ما أنكرتم أن يكون منه تعالى إليهم حال هي غاية الإساءة ، ولا يسمى بتلك مسيئا.
وأما نحن فنقول : إنهم في غاية الإساءة والمساءة والسخط عليهم ، وليس السخط إحسانا إلى المسخوط عليه ، وكذلك اللعنة في الملعون ، وأنه تعالى محسن على الإطلاق ، ولا نقول : إنه مسيء أصلا وبالله تعالى التوفيق.
والأصل في ذلك ما قلناه من أنه لا يجوز أن يسمى الله تعالى إلا بما سمى نفسه ولا يخبر عنه إلا بما أخبر به عن نفسه ولا مزيد.
فإن قالوا : إذا جوّزتم أن يخلق الله تعالى ما هو ظلم بيننا ولا يكون بذلك ظالما فجوزوا أن يخبرنا بالشيء على خلاف ما هو عليه ولا يكون بذلك كاذبا ، وأن لا يعلم ما يكون ، ولا يكون بذلك جاهلا ، وأن لا يقدر على شيء ولا يكون عاجزا.
قيل لهم ـ وبالله تعالى التوفيق ـ هذا محال من وجهين :
أحدهما : أنه قد أوضحنا أنه ليس في العالم ظلم لعينه ولا بذاته البتة ، وإنما الظلم بالإضافة ، فيكون قتل زيد إذا نهى الله تعالى عنه ظلما ، وقتله إذا أمر الله ـ تعالى ـ به عدلا ، وأمّا الكذب فهو كذب لعينه وبذاته ، فكل من أخبر بخبر بخلاف ما هو عليه فهو كاذب ، إلا أنه لا يكون بذلك آثما ولا مذموما إلا من حيث أوجب الله ـ تعالى ـ فيه الإثم والذم فقط ، وكذل القول في الجهل والعجز أنهما جهل لعينه وعجز لعينه ،