إبراهيم عليهالسلام أنه قال (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي) [سورة إبراهيم : ٣٥ ، ٣٦].
فأخبر أن الأصنام تضل. وقال تعالى (تَذْرُوهُ الرِّياحُ) [سورة الكهف : ٤٥].
وهذا أكثر من أن يحصى ، والأعراض أيضا تفعل كما ذكرنا ، وقال عزوجل (وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) [سورة فاطر : ١٠].
وقال تعالى (وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ) [سورة فصلت : ٢٣].
فالظن يردي ، والعمل يرفع ، ولم تختلف أمة في صحة القول «أعجبني عمل فلان» وسرني خلق فلان ومثل هذا كثير جدا ، وقد وجدنا الحر يحلل ويصعد ، والبرد يجمد ، ومثل هذا كثير جدّا ، كما بيّنا ، والكل خلق الله ـ تعالى ـ وأما حركة الحي غير الناطق والحي الناطق وسكونهما وتأثيرهما فظاهر أيضا ، ثم خلق ـ تعالى ـ في الحي غير الناطق قصدا ومشيئة لم يخلق ذلك في الجمادات كإرادة الحيوان الرعي وتركه ، والمشي وتركه ، والأكل وتركه ، وما أشبه هذا ، ثم خلق تعالى في الحي الناطق تمييزا لم يخلقه في الحي غير الناطق ولا في الجماد ، وهو التصرف في العلوم والمعارف.
هذا كله أمر مشاهد وكل ذلك خلق الله تعالى فيما خلقه فيه ، ونسب الفعل في كل ذلك إلى من أظهره الله تعالى منه فقط. فخلق الله تعالى كما ذكرنا في الحي الناطق الفعل والاختيار والتمييز ، وخلق في الحي غير الناطق الفعل والاختيار فقط ، وخلق في الجماد الفعل فقط ، وهو الحركة والسكون والتأثير كما ذكرنا ، وبالجملة فلا فرق بين من كابر وجاهر فأنكر فعل المطبوع بطبعه ، وقال ليس هو فعله بل هو فعل الله ـ تعالى ـ فيه فقط ، وبين آخر كابر وجاهر فأنكر فعل المختار باختياره ، وقال ليس هو فعله بل هو فعل الله تعالى ـ فيه فقط ، وكلا الأمرين محسوس بالحس معلوم بأول العقل ضرورة ، أنه فعل لما ظهر منه ، ومعلوم ذلك كله بالبرهان الضروري أنه خلق الله تعالى في الطبوع والمختار ، فإن فرّوا إلى القول بأن الله تعالى لم يخلق فعل المختار وأنه تعالى المختار فقط ، قلنا : قد بينا بطلان هذا قبل ، ولكن نعارضكم هاهنا بأن منكم من يقول لم يخلق الله تعالى أيضا فعل المطبوع ، وأنه فعل المطبوع فقط ، كمعمّر وغيره من كبار المعتزلة.
فإن قالوا : أخطأ من قال هذا وكفر.
قلنا لهم : صدقتم وكفر من قال إن أفعال المختار لم يخلقها الله عزوجل ولا فرق.
فإن قالوا : إن الله تعالى هو خالق الطبيعة والمطبوع اللّذين ينسبون الفعل إليهما فهو خالق ذلك الفعل.