قلنا لهم : والله عزوجل هو خالق المختار ، وخالق اختياره ، وخالق قوته وهم الذين ينسبون الفعل إليهم فهو الله عزوجل خالق ذلك الفعل ولا فرق.
قال أبو محمد : وهذا الذي ذكرنا من إضافة التأثير وجميع الأفعال إلى كل من ظهرت منه من جماد أو عرض أو حي ناطق أو غير ناطق ، فهو الذي به تشهد الشريعة ، وبه يشهد القرآن والسنن كلها ، وبه تشهد البينة ، لأنه أمر محسوس مشاهد ، وبه تشهد اللغات من جميع أهل الأرض قاطبة لا نقول لغة العرب فقط ، بل كل لغة لا نحاشي منها شيئا وما كان هكذا فلا شيء أصح منه.
فإن قيل : فأنتم إذا تسمّون الجماد والعرض كاسبا؟
قلنا : لا نتعدى ما جاءت به اللغة ، ومن أحال اللغة التي بها نزل القرآن برأيه فقد دخل في جملة من قال الله عزوجل : (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ) [سورة المائدة : ١٣] ولحق بالسوفسطائية في إبطالهم التفاهم ولو جاءت اللغة بذلك لقلناه كما نقول إن الله عزوجل فاعل ولا نسميه كاسبا.
فإن قيل : أنتم تقولون إن الجماد والعرض عوامل؟
قلنا : نعم. لأن اللغة جاءت بذلك ونقول الحديد يعمل في العود ، والحر يعمل في الأجسام ، وهكذا في غير ذلك.
فإن قيل : أتقولون إن للجماد والعرض استطاعة وقوة وطاقة وقدرة؟
قلنا : إنما نتبع اللغة فقط فنقول : إن للجمادات والأعراض قوى يظهر بها ما خلق الله تعالى فيها من الأفعال وفيها طاقة لها ولا نقول فيها قدرة ولا نمنع من يقول فيها طاقة ، قال الله عزوجل (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ) [سورة الحديد : ٢٥].
فنقول : الحديد ذو بأس شديد ، وذو قوة عظيمة وطاقة مفرطة ، وقد قلنا لكم إننا لا نتعدى في تسمية والعبارة جملة ما جاءت به اللغة ، ولا نتعدى في تسمية الله تعالى والخبر عنه ما جاء به القرآن ونص عليه رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وهذا هو الذي صحّ به البرهان ، وما عداه فباطل وضلال وبالله تعالى التوفيق.
وأما اعتراضهم بهل الخلق هو الكسب أو غيره؟ فنعم كسبنا لما ظهر منا وبطن ، وكل طبعنا وجميع أعمالنا وأفعالنا ، فكل ذلك خلق الله تعالى خلقه فينا كما ذكرنا ، لأن كل ذلك شيء ، وقال تعالى (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ) [سورة القمر : ٤٩].
ولكنا لا نتعدى باسم الكسب حيث أوقعه الله تعالى مخبرا لنا بأننا نجزى بما كسبت أيدينا وبما كسبنا في غير موضع من كتابه ، ولا يحل أن يقال إنه كسب لله