الأعراض كلها ، حاشا أفعال المختارين. وكلهم معمر والجاحظ أيضا موافقون لنا بأنه خالق الإماتة والإحياء ، وكلهم موافقون لنا على أنه تعالى إنما يسمى خالقا لكل خلق لإبداعه إياه من ليس (١) ولم يكن قبل ذلك.
فإذا ثبت بالبرهان اختراه لسائر الأعراض التي خالفونا فيها وجب أن يسمى ذلك خلقا له ـ تعالى ـ ويسمى هو تعالى خالقها. وأما اعتراضهم بأنه إذا كانت أفعالنا خلقا لله ـ عزوجل ـ وكان متوهما منا ومستطاعا عليه في ظاهر أمرنا بسلامة جوارحنا ألّا تكون تلك الأفعال فقد ادعينا أننا مستطيعون في ظاهر الأمر بسلامة الجوارح ، وأنه متوهم منا منع الله ـ تعالى ـ من أن يخلقها وهذا كفر مجرد ممن أجازه.
قال أبو محمد : هذا لازم للمعتزلة على الحقيقة لا لنا لأنّهم القائلون إنهم يقدرون ويستطيعون على الحقيقة على ترك أفعالهم وعلى ترك الوطء الذي قد علم الله ـ عزوجل ـ أنه لا بد أن يكون ، وأنه يخلق منه الولد ، وعلى ترك الضرب الذي قد علم الله عزوجل أنه لا بد أن يكون منه الموت وانقضاء الأجل المسمى عنده ، وعلى ترك الحرث والزرع الذي قد علم الله ـ عزوجل ـ أنه لا بد أن يكون ، وأن يكون منه النبات الذي منه تكون الأقوات والمعاش فلزمهم ولا بد أنهم قادرون على منع الله عزوجل ـ من خلق أبنائهم ومن أن يميت من أمات مقتولا.
قال أبو محمد : ومن بلغ هاهنا فلا بد أن يرجع إما تائبا محسنا إلى نفسه ، وإما خاسئا غاويا مقلّدا منقطعا ، أو يتمادى على طرد قوله فيكفر ولا بد مع خلافه لضرورة الحس والمشاهدة ، وضرورة العقل والقرآن ، وبالله تعالى نعوذ من الخذلان.
وأما نحن فجوابنا هاهنا أننا لم نستطع قط على فعل ما لم نعلم أننا سنفعله ولا على ترك ما علم الله تعالى أننا نفعله ولا على نسخ علم الله عزوجل أصلا ولا على تكذيبه عزوجل في فعل ما أمر الله تعالى به وإن كنا في ظاهر الأمر نطلق ما أطلق الله عزوجل من الاستطاعة التي لا يكون بها إلا ما علم الله عزوجل أنه يكون ولا مزيد ، وهي استطاعة بإضافة لها استطاعة على الإطلاق ، ولكن نقول : هو مستطيع بصحة جوارحه ، أي أنه متوهم كون الفعل منه فقط. فإن قالوا : فأمركم الله تعالى بأن تكذبوا قوله وتبطلوا عمله إذا أمركم بفعل ما علم أنه لا تفعلونه؟ قلنا : عند تحقيق الأمر ، فإن
__________________
(١) تقول العرب : جيء به من حيث أيس وليس : أي من حيث هو وليس هو (المعجم الوسيط : ص ٨٤٩).