أمره عزوجل ، لمن علم أنه لا يفعل ما أمر به أمر تعجيز كقوله : (قُلْ كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً) [سورة الإسراء : ٥]. وكقوله : (مَنْ كانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ ما يَغِيظُ) [سورة الحج : ١٥].
قال أبو محمد : وقد تحيرت المعتزلة هنا حتى قال بعضهم : لو لم يقتل زيد لعاش ، وقال أبو الهذيل : لو لم يقتل زيد لمات ، وشغب القائلون بأنه لو لم يقتل لعاش بقول الله عزوجل (وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتابٍ) [سورة فاطر : ١١].
وبقول الرسول ـ صلىاللهعليهوسلم ـ «من سره أن ينسأ في أجله فليصل رحمه» (١).
قال أبو محمد : وكل هذا لا حجة لهم فيه بل هو بظاهره حجة عليهم ، لأن النقص في هذه اللغة التي بها أنزل القرآن إنما هو من باب الإضافة ، وبالضرورة علمنا أن من عمّر مائة عام وعمّر آخر ثمانين عاما ، فإن الذي عمر ثمانين عاما نقص من عدد عمر الآخر عشرين عاما فهذا هو ظاهر الآية ومقتضاها على الحقيقة لا على ما يظنه من لا عقل له من أن الله ـ عزوجل ـ جار تحت أحكام عباده إن يضربوا زيدا أماته ، وإن لم يضربوه لم يمته ، ومن أنّ علمه غير محقق فربما أعاش زيدا مائة عام ، وربما أعاشه أقل ، وهذا هو البداء (٢) بعينه ومعاذ الله تعالى من هذا القول ، بل الخلق كله مصرّف تحت أمره عزوجل وعلمه فلا يقدر أحد على تعدي ما علم الله ـ تعالى ـ أنه سيكون ولا يكون البتة إلّا ما سبق في علمه أنّه يكون والقتل نوع من أنواع الموت فمن سأل عن المقتول لو لم يقتل أكان يموت أو يعيش؟ فسؤاله سخيف لأنه إنما يسأل لو لم يمت هذا الميت أكان يموت أم كان لا يموت ، وهذه حماقة لأن القتل علة الموت لمن قتل ، كما أن الحمى القاتلة أو البطن القاتل ، وسائر الأمراض القاتلة ، علل الموت الحادث عنها ولا فرق ، وأما قول رسول الله صلىاللهعليهوسلم «من سرّه أن ينسأ في أجله فليصل رحمه» فصحيح موافق للقرآن ولما توجبه المشاهدة وإنما معناه أن الله تعالى لم يزل يعلم أن زيدا سيصل رحمه ، وأن ذلك سبب إلى أن يبلغ من العمر كذا وكذا ، وهكذا كل أجل في الدنيا لأن من علم الله تعالى أنه سيعمر كذا وكذا من
__________________
(١) رواه من حديث أنس بن مالك البخاري في البيوع باب ١٢ و ١٣ ، ومسلم في البرّ حديث ٢٠ و ٢١ ، وأبو داود في الزكاة باب ٤٥.
(٢) البداء : ظهور الرأي بعد أن لم يكن (المعجم الوسيط : ص ٤٥).