الدهر فإن الله تعالى قد علم وقدّر أنه سيغذى بالطعام والشراب ، ويتنفس بالهواء ، ويسلم من الآفات القاتلة تلك المدة ، ويكون سببا إلى بلوغه تلك المدة التي لا بد من استيفائها ، والسبب والمسبب كل ذلك قد سبق في علم الله ـ تعالى ـ كما هو لا يدل قال الله ـ تعالى ـ (ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) [سورة ق : ٢٩].
ولو كان على غير هذا لوجب البداء ضرورة ، ولكان غير عليم بما يكون متشكّكا فيه أيكون أم لا يكون؟ أو جاهلا به جملة ، وهذه صفة المخلوقين لا صفة الخالق ـ تعالى ـ وهذا كفر ممن قال به وهم لا يقولون بهذا.
قال أبو محمد : ونص القرآن يشهد بصحة ما قلنا قال الله تعالى (قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ) [سورة آل عمران : ١٥٤].
وقال تعالى (قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ) [سورة الأحزاب : ١٦].
وقال تعالى (أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ) [سورة النساء : ٧٨] وقال تعالى منكرا على حزب المعتزلة على مذهبهم (الَّذِينَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطاعُونا ما قُتِلُوا قُلْ فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) [سورة آل عمران : ١٦٨].
وقال تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كانُوا غُزًّى لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَما قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللهُ ذلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ) [سورة آل عمران : ١٥٦].
وقال تعالى (وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ) [سورة يونس : ١٠٠].
قال أبو محمد : وهذه نصوص لا يبعد من ردها بعد أن سمعها من الكفر ـ نعوذ بالله من الخذلان.
قال أبو محمد : وموّه بعضهم بأن ذكر قول الله عزوجل (ثُمَّ قَضى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ) [سورة الأنعام : ٢].
قال أبو محمد : وهذه الآية حجة عليهم لأنه تعالى نص على أنه قضى أجلا ولم يقل بشيء دون شيء ، لكن على الجملة ثم قال تعالى (وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ).
فهذا الأجل المسمى عنده هو الذي قضى بلا شك إذ لو كان غيره لكان