الله أن يسقيه من طينة الخبال» (١) يعني عن شارب الخمر وأن كلّ كل هذا إنما هو أن الله تعالى قضى بذلك وجعله حتما واجبا ، وكونه حقا يوجب ذلك منه تعالى لا عليه ، فأبدلت «من» من «على» وحروف الجر يبدل بعضها من بعض.
ثم نقول لهم : من خلق إبليس ومردة الشياطين والخمر والخنازير والحجارة المعبودة والميسر والأنصاب والأزلام وما أهلّ لغير الله به وما ذبح على النّصب؟ فمن قولهم وقول كل مسلم أن الله تعالى خالق هذا كله ، فنسألهم : أشيء حسن هو كل ذلك أم رجس وقبيح وشر؟ فإن قالوا : بل رجس وقبيح ونجس وشر وفسق صدقوا ، وأقروا أنه تعالى خلق الأنجاس والرجس والشر والفسق وما ليس حسنا ، فإن قالوا : بل هي حسان في إضافة خلقها إلى الله تعالى ، وهي رجس ونجس وشر وفسق بتسمية الله تعالى لها بذلك ، قلنا : صدقتم ، وهكذا نقول إن الكفر والمعاصي هي في أنها أعراض وحركات خلق لله تعالى حسن من خلق الله تعالى كل ذلك ، وهي من العصاة بإضافتها إليهم قبائح ورجس وقال عزوجل : (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ) [سورة المائدة : ٩٠].
وقال تعالى : (أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ) [سورة الأنعام : ١٤٥].
فليخبرونا بأي ذنب كان من هذه الأشياء وجب أن يسخطها الله تعالى ، وأن يرجسها ويجعل غيرها طيبات ويرضاها؟ هل هاهنا إلا أنه تعالى فعل ما شاء ، وأيّ فرق بين أن يسخط ما شاء فيلعنه مما لا يعقل ويرضى عما شاء من ذلك فيعلي قدره ويأمر بتعظيمه كناقة صالح والبيت الحرام ، وبين أن يفعل ذلك أيضا فيمن يعقل فيقرب بعضا كما شاء ويبعد بعضا كما شاء وهذا ما لا سبيل إلى وجود الفرق فيه أبدا.
ثم نسألهم : هل حابى الله تعالى من خلقه في أرض الإسلام بحيث لا يلقى إلا داعيا إلى الدين ومحسّنا له على من خلقه في أرض الزنج والصين والروم بحيث لا
__________________
قلت : لبيك رسول الله وسعديك ، قال : «هل تدري ما حقّ العباد على الله إذا فعلوه؟» قلت : الله ورسوله أعلم. قال : «حقّ العباد على الله أن لا يعذبهم» ..
(١) روي بطرق وألفاظ متعددة. منها ما رواه مسلم في كتاب الأشربة (حديث رقم ٧٢) عن جابر : أن رجلا قدم من جيشان ـ وجيشان من اليمن ـ فسأل النبي صلىاللهعليهوسلم عن شراب يشربونه بأرضهم من الذرة يقال له المزر ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «أو مسكر هو؟» قال : نعم. قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «كل مسكر حرام. إن على الله عزوجل عهدا لمن يشرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال». قالوا : يا رسول الله وما طينة الخبال؟ قال : «عرق أهل النار. أو عصارة أهل النار».