يسمع إلا ذاما لدين المسلمين مبطلا له وصادّا عنه ..؟ وهل رأوا قط أو سمعوا بمن خرج من هذه البلاد طالبا لصحة البرهان على الدين؟ فمن أنكر هذا كابر العيان والحس ، ومن أذعن لها ترك قول المعتزلة الفاسد.
قال أبو محمد : والقول الصحيح هو أن العقل يعرف بصحته ضرورة أن الله تعالى حاكم على كل ما دونه ، وأنه تعالى غير محكوم عليه ، وأن كلّ ما سواه تعالى مخلوق له عزوجل ، سواء كان جوهرا حاملا ، أو عرضا محمولا ، لا خالق سواه ، وأنه يعذّب من يشاء أن يعذبه ويرحم من يشاء أن يرحمه ، وأنه لا يلزم أحدا إلا ما ألزمه الله عزوجل ، ولا قبيح إلا ما قبح الله ، ولا حسن إلا ما حسن الله ، وأنه لا يلزم لأحد على الله تعالى حق ولا حجة ، ولله تعالى على كل من دونه وما دونه الحق الواجب والحجة البالغة ، لو عذب المطيعين والملائكة والأنبياء في النار مخلدين لكان ذلك له ، ولكان عدلا وحقا منه ، ولو نعّم إبليس والكفار في الجنة مخلدين كان ذلك له وكان حقا وعدلا منه ، وإن كل ذلك إذ أباه الله تعالى وأخبر أنه لا يفعله صار باطلا وجورا وظلما ، وأنه لا يهتدي أحد إلا من هداه الله عزوجل ، ولا يضل أحد إلا من أضله الله عزوجل ، ولا يكون في العالم إلا ما أراد الله عزوجل كونه من خير أو شر أو غير ذلك ، وما لم يرد عزوجل كونه فلا يكون البتة ، وبالله تعالى التوفيق.
ونحن نجد الحيوان لا يسمى عدو بعضها على بعض قبيحا ولا ظلما ولا يلام على ذلك ، ولا يلام على عدوها من ربّى شيئا منها ، فلو كان هذا النوع قبيحا لعينه وظلما لعينه لقبح متى وجد ، فلمّا لم يكن كذلك صحّ أنه لا يقبح شيء لعينه البتة ، لكن إذا قبّحه الله عزوجل فقط.
فإذ قد بطل قولهم بالبرهان الكلي الجامع لأصلهم الفاسد فلنقل بحول الله تعالى وقوته في إبطال مسائلهم وبالله تعالى التوفيق :
فأول ذلك أن نسألهم فنقول : عرّفونا ما هذا القبيح في العقل على الإطلاق؟ فقال قائلون من زعمائهم منهم الحارث بن علي الوراق البغدادي ، وعبد الله بن أحمد بن محمود الكعبي البلخي وغيرهما : إن كل شيء حسن بوجه ما. قلت : يمتنع وقوع مثله من الله تعالى ، لأنه حينئذ يكون حسنا ، إذ ليس قبيحا البتة على كل حال ، وأما ما كان قبيحا على كل حال لا يحسن البتة فهذا منفي عن الله عزوجل أبدا.
قالوا : ومن القبيح على كل حال أن تفعل بغيرك ما لا تريد أن يفعل بك ، وتكليف ما لا يطاق ثم التعذيب عليه.