قال أبو محمد : وظن هؤلاء المبطلون إذا أتوا بهذه الحماقة أنهم قد أغربوا وقرطسوا ، وهم بالحقيقة قد هذوا وهذروا ، وهذا عين الخطأ ، وإنما قبح بعض هذا النوع إذ أقبحه الله عزوجل ، وحسن بعضه إذ حسّنه الله عزوجل ، والعجب من مناقشتهم في دعواهم أن المحاباة فيما بيننا ظلم ، ولا ندري في أي شريعة أم في أيّ عقل وجدوا أن المحاباة ظلم ، وأن الله تعالى قد أباحها إلا حيث شاء؟ وذلك أن الرجل يحب أن ينكح امرأتين وثلاثا وأربعا من الزوجات ، وذلك له مباح حسن ، وأن يطأ من إمائه أي عدد أحب ، وذلك له مباح حسن ، ولا يحب أن ينكح امرأته غيره ولا عبيدها ، وهذا منه حسن.
وبالضرورة ندري أن في قلوبهن من الغيرة كما في قلوبنا ، وهذا محظور في شريعة غيرنا ، والنفار منه موجود في بعض الحيوان بالطبع ، والحر المسلم يحب أن يستعبد أخاه المسلم ، ولعله عند الله تعالى خير من سيده في دينه وأخلاقه وأبوته ، ويبيعه ويهبه ويستخدمه ولا يحب أن يستعبده هو أحد لا عبده ذلك ولا غيره ، وهذا منه حسن ، وقد أحب رسول الله صلىاللهعليهوسلم لنفسه المقدسة ما أكرمه الله تعالى به من ألا ينكح أحد من بعده من نسائه ، أمهاتنا رضوان الله عليهن ، وأحب هو عليهالسلام نكاح من نكح من النساء بعد أزواجهن ، وكلّ ذلك حسن جميل صواب ، ولو أحب ذلك غيره كان مخطئ الإرادة قبيحا ظالما ، ومثل هذا كثير إن تتبّع كثير جدا إذ هو فاش في العالم وفي أكثر الشريعة ، فبطل هذا القول الفاسد منهم.
وقد نص الله تعالى على إباحة غير العدل الذي هو العدل عند المعتزلة ، بل على الإطلاق وعلى المحاباة حيث شاء ، قال عزوجل : (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ) [سورة النساء : ١٢٩].
وقال تعالى : (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) [سورة النساء : ٣].
فأباح تعالى لنا أن لا نعدل بين ما ملكت أيماننا ، وأباح لنا محاباة من شئنا منهن ، فصح أن لا عدل إلا ما سماه الله عدلا فقط ، وأن كل شيء فعله الله فهو العدل فقط لا عدل سوى ذلك ، وكذلك وجدنا الله تعالى قد أعطى الابن الذكر من الميراث حظّين ، وإن كان غنيا مكتسبا ، وأعطى البنت حظّا واحدا وإن كانت صغيرة فقيرة ، فبطل قول المعتزلة ، وصح أن الله تعالى يحابي من يشاء ويمنع من يشاء ، وأن هذا هو العدل لا ما يظنه المعتزلة عدلا بجهلها وضعف عقولها.
وأما تكليف ما لا يطاق والتعذيب عليه فإنما قبح ذلك فيما بيننا لأن الله تعالى