تولد من نطفته فقط ، ولا فرق في العقل بين الرجل والمرأة في ذلك ، ولا فرق في المعقول وفي الولادة تولد الجنين من نطفة الواطئ لأمه بين أولاد الزنى وأولاد الرشدة ، لكن لما ألزم الله تعالى أولاد الرشدة المتولدين عن عقد نكاح أو ملك يمين فاسدين أو صحيحين برّ آبائهم وشكرهم ، وجعل عقوقهم من الكبائر لزمنا ذلك ، ولما لم يلزم ذلك أولاد الزانية ، لم يلزمهم.
وقد علمنا نحن وهم يقينا أن رجلين مسلمين لو خرجا في سفر فأغار أحدهما على قرية من قرى دار الحرب فقتل كلّ رجل بالغ فيها وأخذ جميع أموالهم ، وسبى ذراريهم ثم خمّس ذلك بحكم الإمام العدل ووقع في حظه أطفال قد تولى هو قتل آبائهم ، وسبي أمهاتهم ، ووقعن أيضا بالقسمة الصحيحة في حصته ، فنكحهن وصرف أولادهن في كنس حشوشه (١) ، وخدمة دوابه وحرثه وحصاده ، ولم يكلفهم من ذلك إلا ما يطيقون وكساهم وأنفق عليهم بالمعروف كما أمر الله تعالى فإن حقه واجب عليهم بلا خلاف ، ولو أعتقهم فإنه منعم عليهم وشكره فرض عليهم ، وكذلك لو فعل ذلك بمن اشتراه وهو مسلم بعد.
وأغار الثاني على قرية للمسلمين فأخذ صبيانا من صبيانهم فاسترقّهم فقط ولم يقتل أحدا ولا سبى لهم حرمة فربّى الصبيان أحسن تربية ، وكانوا في قرية شقاء وجهد وتعب وشظف عيش وسوء حال ، فرفّه معاشهم وعلمهم العلم والإسلام وخوّلهم المال ثم أعتقهم ، فلا خلاف في أنه لا حق له عليهم ، وأن ذمّه وعداوته فرض عليهم.
وأنه لو وطئ امرأة منهن وهو محصن وكان أحدهم قد ولي حكما لزمه شدخ رأسه بالحجارة حتى يموت ، أفلا يتبين لكل ذي عقل من أهل الإسلام أنه لا محسن ولا منعم إلا الله تعالى وحده لا شريك له إلا من سماه محسنا أو منعما ، ولا شكر لازما لأحد على أحد إلا من ألزمه الله تعالى وشكره ، ولا حق لأحد على أحد إلا من جعل الله تعالى حقا؟ فيجب كل ذلك إذ أوجبه الله تعالى وإلا فلا.
وقد أجمعوا معنا على أن من أفاض إحسان الدنيا على إنسان إفاضة بوجه حرمه الله تعالى فإنه لا يلزمه شكره ، وأن من أحسن إلى آخر غاية الإحسان فشكره بأن أعانه في دنياه بما لا يجوز في الدّين فإنه مسىء إليه ظالم ، فصح يقينا أنه لا يجب شيء
__________________
(١) الحشوش : جمع الحشّ ، وهو البستان ، والنخل المجتمع ، والكنيف ، والمتوضأ. انظر المعجم الوسيط (ص ١٧٦).