حسنا كما كان حسنا أمره عزوجل بذلك بني إسرائيل ، وأما التشويه بالنفس فإن الختان والإحرام والركوع والسجود لو لا أمر الله تعالى بذلك وتحسينه إياه لكان لا معنى له ، ولكان على أصولهم تشويها ، ودليل ذلك أن امرأ من الناس لو قام ثم وضع رأسه بالأرض في غير صلاة بحضرة الناس لكان عابثا بلا شك مقطوعا عليه بالهوس ، وكذلك لو تجرّد المرء من ثيابه أمام الجموع في غير حج ولا عمرة وكشف رأسه ، ورمى بالحصى وطاف ببيت مهرولا مستديرا به ، لكان مجنونا بلا شك ، لا سيما إن امتنع من قتل قمله ومن فلى رأسه ، ومن قص أظفاره وشاربه ، لكن لما أمر الله عزوجل بما أمر به من ذلك كان فرضا واجبا وحسنا ، وكان تركه قبيحا وإنكاره كفرا.
وأما إباحة المرء حرمة النكاح فهذا أعجب ما أتوا به ، أما علموا أن الله خلّى بين عبيده وإمائه يفجر بعضهم ببعض وهو قادر على منعهم من ذلك ، فلم يفعل ، بل قوى آلاتهم وقوى شهواتهم على ذلك بإقرار المعتزلة ، فهذا من الله حسن ومن عباده قبيح لأن الله قبحه ولا مزيد ، ولو حسنه تعالى لحسن ، أما شاهدوا نكاح الرجال بناتهم من رجال ، ثم إن طلّق الرجل منهم المرأة من آخر ثم آخر وهكذا ما أمكنهم ، وكذلك إن مات عنها؟ فأي فرق في العقول بين إباحة وطئها بلفظ زوجتك أو أنكحتك ، وبين حظر وطئها بالإطلاق عليه أو بلفظة قم فطأها ، فهل هاهنا قبيح إلا ما قبحه الله عزوجل ، أو حسن إلا ما حسن الله عزوجل ..؟!!.
وقال بعضهم : الكفر قبيح على كل حال.
قال أبو محمد : وهذا كالأول ، وما قبح الكفر إلا لأن الله قبحه ونهى عنه ولو لا ذلك ما قبح ، وقد أباح الله عزوجل كلمة الكفر عند التقية ، وأباح بها الدم في غير التقية ، ولو أن امرأ اعتقد أن الخمر حرام قبل أن ينزل تحريمها لكان كافرا ، ولكان ذلك منه كفرا إن كان عالما بإباحة الرسول صلىاللهعليهوسلم لها ، ثم صار ذلك الكفر إيمانا وصار الآن من اعتقد تحليلها كافرا ، وصار اعتقاد تحليلها كفرا ، فصح أن لا كفر إلا ما سماه الله عزوجل كفرا ، ولا إيمان إلا ما سماه إيمانا ، وأن الكفر لا يقبح إلا بعد أن قبحه الله عزوجل ، ولا حسن الإيمان إلا بعد أن حسنه الله عزوجل ، فبطل كل ما قالوه في الجور والكفر والظلم ، وصح أنه لا ظلم إلا ما نهى الله عنه ولا جور إلا ما كان كذلك ، ولا عدل إلا ما أمر الله تعالى به أو أباحه أي شيء كان ، وبالله تعالى التوفيق.
فإذ هذا كما ذكرنا فقد صح أنه لا ظلم في شيء من فعل الباري تعالى ، ولو أنه تعالى عذّب من لم يقدره على ما أمر به من طاعته لما كان ذلك ظلما إذ لم يسمه