تعالى ظلما ، وكذلك ليس ظلما خلقه تعالى للأفعال التي هي من عباده عزوجل كفر وظلم وجور ، ولأنه لا آمر عليه تعالى ولا ناهيا ، بل الأمر أمره والملك ملكه.
وقالوا : تكليف ما لا يطاق ثم التعذيب عليه قبيح في العقول جملة ، لا يحسن بوجه من الوجوه فيما بيننا ، فلا يحسن من الباري تعالى أصلا.
قال أبو محمد : نسي هؤلاء القوم ما لا يجب أن ينسى ، ويقال لهم : أليس قول القائل فيما بيننا : اعبدوني ، اسجدوا لي ، قبيحا لا يحسن بوجه من الوجوه ولا على حال من الأحوال ..؟ فلا بد من نعم ، فيقال لهم : أو ليس هذا القول من الله تعالى حسنا وحقا ، فلا بد من نعم ، فإن قالوا : إنما قبح ذلك منّا لأننا لا نستحقه ، قيل لهم : وكذلك إنما قبح منا تكليف ما لا يطاق والتعذيب عليه لأننا لا نستحق هذه الصفة ، وأي شيء أتوا به من الفرق فهو راجع عليهم في تكليف ما لا يطاق ، ولا فرق ، وكذلك الممتن بإحسانه الجبار المتكبر ذو الكبرياء قبيح فيما بيننا على كل حال ، وهو من الله تعالى حسن وحق ، وقد سمى نفسه الجبار المتكبر وأخبر أن له كبرياء وهو تعالى يمتن بإحسانه.
فإن قالوا : حسن ذلك منه لأن الكل خلقه. قيل لهم : وكذلك حسن منه تكليف من لا يستطيع ثم تعذيبه لأن الكل خلقه ، وكذلك فيما بيننا من عذّب حيوانا بالنتف والضرب ثم أحسن علفه ورفهه فهو قبيح على كل حال وجّه ، وفاعله عابث ، وهم يقولون إن الباري أباح ذلك في الحيوان من أكلها وذبحها ثم يعوضها على ذلك ، وهذا منه عزوجل حسن ، إلا أن يلجئوا إلى أنه تعالى لا يقدر على تعويض الحيوان إلا بعد إيلامها وتعذيبها ، فهذا أقبح قول وأبينه كذبا وأوضحه قحة وأتمه كفرا وأذمّه للباري تعالى ، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
فإن قالوا : إن إيلام الحيوان قد يحسن فيما بيننا مثل أن يسقي الإنسان من يحب ماء الأدوية الكريهة ، ويحجمه ويكويه ليوصله بذلك إلى منافع لو لا هذا المكروه لم يكن ليصل إليها.
قال أبو محمد : وهذا تمويه لم ينفكوا به مما سألهم عنه أصحابنا في هذه المسألة ، ونحن لم نسألهم عمن لا يقدر على نفعه إلا بعد الأذى الذي هو أقل من النفع الذي يصل إليه بعد ذلك الأذى ، وإنما سألناهم عمن يقدر على نفعه دون أن يبتدئه بالأذى ثم لا ينفعه إلا حتى يؤذيه.
قال أبو محمد : وكذلك تكليف من يدري المرء أنه لا يطيقه وأنه إذا لم يطقه عذبه