حكيما ، إنما سمي حكيما لأنه سمى نفسه حكيما فقط ، ولو لم يسمّ نفسه حكيما ما سميناه حكيما ، كما لم نسمه عاقلا إذ لم يسمّ بذلك ، ثم نقول لهم : وأما قولكم إنما سمي الله حكيما لفعله الحكمة ، فأنتم مقرون أنه أعطى الحكمة. وأما من قال منهم إنه تعالى يفعل لاجتلاب المنافع إلى عباده ودفع المضار عنهم فكلام فاسد إذا قيل على عمومه ، لأن كل مستضر بفعله في دنياه وأخراه لم يصرف الله تعالى عنه تلك المضرة وقد كان قادرا على صرفها عنه إلا أن يعجّزوه عن ذلك فيكفروا.
وسألهم أصحابنا فقالوا : إذا كان الله عزوجل لا يفعل إلا ما هو عدل بيننا فلم خلق من يدري أنه يكفر به وأنه سيخلده بين أطباق النيران أبدا؟ فأجابوا عن هذا بأجوبة ، فمن أظرفها أن كثيرا منهم قالوا : لو لم يخلق من يكفر به ويخلده في نار جهنم لما استحق العذاب أحد ولا دخل النار أحد.
قال أبو محمد : ويكفي من الدلالة على ضعف عقل هذا الجاهل هذا الجواب.
ونقول له : ذلك ما كنا نبغي ، وهل الخير كله على ما بيننا إلا أن لا يعذّب أحد بالنار ، وهل الحكمة المعهودة بيننا والعدل الذي لا عدل عندنا سواه إلا نجاة الناس كلهم من الأذى واجتماعهم في النعيم الدائم؟ ولكن المعتزلة قوم لا يعقلون.
وأجاب بعضهم في هذا بأن قال : لو كان هذا لسلم الجميع من اللوم ، ولكان لا شيء أوضع ولا أخس من العقل لأن الذي لا عقل له سالم من العذاب واللوم ، والأمم كلها مجمعة على فضل العقل.
قال أبو محمد : لو عرف هذا الجاهل معنى العقل لم يجب بهذا السخف ، لأن العقل على الحقيقة إنما هو استعمال الطاعات واجتناب المعاصي ، وما عدا هذا فليس عقلا ، بل هو سخف وحمق.
قال الله عزوجل حكاية عن الكفار أنهم قالوا : (لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ) [سورة الملك : ١٠]. ثم صدقهم الله عزوجل في هذا فقال :
(فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لِأَصْحابِ السَّعِيرِ) [سورة الملك : ١١] فصدق الله تعالى من عصاه أنه لا يعقل.
ثم نقول لهم : نعم لا منزلة أخسّ ولا أوضع ولا أسقط من منزلة وموهبة أدّت إلى الخلود في النيران ، عقلا كانت أو غير عقل ، على قولكم في العقل. لكن كان كون الإنسان حشرة أو دودة أو كلبا أحظى له وأسلم وأفضل عاجلا وآجلا ، وأحب إلى كل ذي عقل صحيح وتمييز غير مدخول ، وإذا كان عند هؤلاء القوم العقل الموهوب