وبالا على صاحبه وسببا إلى تكليفه أمورا لم يأت بها فاستحق النار ، فلا شك عند كل ذي حس سليم في أن عدمه خير من وجوده.
فإن قالوا : إن التكليف لم يوجب عليه دخول النار ، قلنا : نعم ، ولكنه كان سببا إلى ذلك ، ولو لا التكليف لم يدخل النار أصلا ، وقد شهد الله عزوجل بصحة هذا القول شهادة لا تخفى على مسلم ، وهي قوله تعالى : (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً) [سورة الأحزاب : ٧٢].
فحمد الله تعالى إباء الجمادات من قبول التمييز الذي به وقع التكليف وتحمل أمانة الشرائع وذم عزوجل اختيار الإنسان لتحملها ، وسمى ذلك منه ظلما وجهلا وجورا ، وهذا معروف في بنية العقل والتمييز أن السلامة المضمونة لا يعدل بها التغرير الفردي إلى الهلاك أو إلى النعيم.
وقال بعضهم : خلق الله عزوجل من يكفر ومن يعلم أنه يخلده في النار ليعظ بذلك الملائكة وحور العين.
قال أبو محمد : وهذا خبط لا عهد لنا بمثله ، وهذا غاية السخف والعبث والظلم ، فأما العبث فإن في العقول منّا أن من عذب واحدا ليعظ به آخر فغاية العبث والسخف ، وأما الجور فأيّ جور أعظم فيما بيننا من أن يخلق قوما قد علم أنه يعذبهم ليعظ بهم آخرين من خلقه مخلدين في النعيم ، فهلا عذب الملائكة وحور العين ليعظ بهم الجن والإنس؟ وهل هذا على أصولهم إلا غاية المحاباة والظلم والعبث ..؟!! تعالى الله عن ذلك ، يفعل ما يشاء لا معقّب لحكمه.
وسألهم أصحابنا عن إيلام الله عزوجل الصغار والحيوان وإباحته تعالى ذبحها ، فوجموا عند هذه ، وقال بعضهم : لأن الله تعالى يعوضهم على ذلك.
قال أبو محمد : وهذا غاية العبث فيما بيننا ، ولا شيء أتمّ في العبث والظلم ممن يعذّب صغيرا ليحسن بعد ذلك إليه ، فقالوا : إن تعويضه بعد العذاب بالجدري والأمراض أتم وألذ من تنعيمه دون تعذيب.
قال أبو محمد : وفي هذا عليهم جوابان :
أحدهما : أن نقول لهم : أكان الله تعالى قادرا على أن يوفّي الأطفال والحيوان ذلك النعيم دون إيلام أو كان غير قادر على ذلك؟ فإن قالوا كان غير قادر جمعوا مع الكفر الجنون لأن ضرورة العقل يعلم بها أنه إذا قدر على أن يعطيهم مقدارا ما من