لا تسمى توحيدا فليست إيمانا ، قالوا ولو كانت الأعمال توحيدا وإيمانا لكان من ضيع شيئا منها قد ضيع الإيمان ، وفارق الإيمان ، فوجب أن لا يكون مؤمنا. قالوا : وهذه الحجة إنما تلزم أصحاب الحديث خاصة ، لا تلزم الخوارج ولا المعتزلة ، لأنهم يقولون بذهاب الإيمان جملة بإضاعة الأعمال.
قال أبو محمد : ما لهم حجة غير ما ذكرنا ، وكل ما ذكروا فلا حجة لهم فيه أصلا لما نذكره إن شاء عزوجل.
قال أبو محمد : إن الإيمان هو التصديق في اللغة ، فهذا حجة على الأشعرية والجهمية والكرامية مبطلة لأقوالهم إبطالا تاما كافيا لا يحتاج معه إلى غيره ، وذلك قولهم : إن الإيمان في اللغة التي نزل بها القرآن هو التصديق فليس كما قالوا على الإطلاق ، وما سمي قط التصديق بالقلب دون التصديق باللسان إيمانا في لغة العرب ، وما قال قط عربي : إن من صدّق شيئا بقلبه فأعلن التكذيب به بقلبه وبلسانه فإنه يسمى مصدقا به أصلا ولا مؤمنا به البتة ، وكذلك ما سمي قط التصديق باللّسان دون التصديق بالقلب إيمانا في لغة العرب أصلا على الإطلاق ، ولا يسمى تصديقا في لغة العرب ولا إيمانا مطلقا إلا من صدّق بالشيء بقلبه ولسانه معا ، فبطل تعلق الجهمية والأشعرية باللغة جملة ، ثم نقول لمن ذهب مذهب أبي حنيفة في أن الإيمان إنما هو التصديق باللسان والقلب معا ، وتعلق في ذلك باللغة : إن تعلقكم باللغة لا حجة لكم فيه أصلا ، لأن اللغة يجب فيها ضرورة أن كل من صدّق بشيء فإنه مؤمن به وأنتم والأشعرية والجهمية والكرامية كلكم توقعون اسم الإيمان ، ولا تطلقونه على كل من صدّق بشيء ما ، ولا تطلقونه إلا على صفة محدودة دون سائر الصفات ، وهي من صدق الله عزوجل وبرسوله صلىاللهعليهوسلم وبكل ما جاء به القرآن والبعث والجنة والنار والصلاة والزكاة وغير ذلك مما قد أجمعت الأمة على أنه لا يكون مؤمنا من لم يصدق به ، وهذا خلاف اللغة مجرد.
فإن قالوا : إن الشريعة أوجبت علينا هذا.
قلنا : صدقتم ، فلا تتعلقوا باللغة حيث جاءت الشريعة بنقل اسم منها عن موضوعه في اللغة كما فعلتم آنفا سواء بسواء ولا فرق.
قال أبو محمد : ولو كان ما قالوه صحيحا لوجب أن يطلق اسم الإيمان على كل من صدّق بشيء ما ، ولكان من صدّق بإلهية الحلّاج ، وبإلهية المسيح ، وبإلهية الأوثان ، مؤمنين ، لأنهم مصدقون بما صدقوا به وهذا لا يقوله أحد ممن ينتمي إلى