فإن قال قائل : كيف اتخذ اليهود والنصارى أربابا من دون الله وهم ينكرون هذا؟ قلنا وبالله تعالى التوفيق : إن التسمية لله عزوجل ، فلما كان اليهود والنصارى يحرمون ما حرم أحبارهم ورهبانهم ، ويحلون ما أحلوا كانت هذه ربوبية صحيحة ، وعبادة صحيحة ، قد دانوا بها ، وسمى الله تعالى هذا العمل اتخاذ أرباب من دون الله وعبادة ، وهذا هو الشرك بلا خلاف كما سمى كفرهم بأن رسول الله صلىاللهعليهوسلم نبي ناسخ لما هم عليه كفر بالله عزوجل ، وإن كانوا مصدقين به تعالى ، لكن لما أحبط الله تعالى تصديقهم سقط حكمه جملة.
فإن قالوا : كيف تقولون إن الكفار مصدقون بالله تعالى ، والله تعالى يقول : (لا يَصْلاها إِلَّا الْأَشْقَى الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى) [سورة الليل : ١٥ ـ ١٦].
ويقول تعالى : (وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ) [سورة الواقعة : ٩٢ ـ ٩٤].
قلنا وبالله تعالى نتأيد : إن كل من خرج إلى الكفر بوجه من الوجوه ، فلا بدّ له من أن يكون مكذبا بشيء مما لا يصح الإسلام إلا به ، أو ردّ أمرا من أمور الله عزوجل لا يصح الإسلام إلا به فهو مكذب بذلك الشيء الذي رده أو كذب به ، ولم يقل الله تعالى الذي كذب بالله عزوجل لكن قال : «كذب وتولّى». ولا قال تعالى وأما إن كان من المكذبين بالله ، وإنما قال تعالى من المكذبين الضالين فقط. فمن كذب بأمر من أمور الله عزوجل لا يصح الإسلام إلا به فهو مكذب على الإطلاق كما سماه الله تعالى رضي الله عنه وإن كان مصدقا بالله تعالى ، وبما صدق به.
قال أبو محمد رضي الله عنه : فإن قالوا كيف تقولون : إن اليهود عارفون بالله والنصارى والله تعالى يقول : (قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) [سورة التوبة : ٢٩].
قلنا وبالله تعالى التوفيق : قد قلنا إن التسمية إلى الله عزوجل لا لأحد دونه وقلنا إن اسم الإيمان منقول عن موضوعه في اللغة عن التصديق المجرد إلى معنى آخر زائد على التصديق فلما لم يستوفوا تلك المعاني بطل تصديقهم جملة ، واستحقوا ببطلانه أن يسموا غير مؤمنين بالله ولا باليوم الآخر ، فإن قيل فهل هم مصدقون بالله وباليوم الآخر ..؟ قلنا : نعم ، فإن قيل ففيهم موحدون لله تعالى ..؟ قلنا : نعم ، فإن قيل فهم مؤمنون بالله وبالرسول وباليوم الآخر ...؟ قلنا : لا لأن الله تعالى نص على كل ما قلنا ، فأخبر تعالى أنهم يعرفونه ، ويقرون به ، ويعرفون نبيه صلىاللهعليهوسلم وأنه نبي فأقررنا بذلك وأسقط