رحمة الله عليهم ، وعن تمام سبعة عشر رجلا من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم ، أن من ترك صلاة فرض عامدا ذاكرا حتى يخرج وقتها فإنه كافر مرتد ، وبهذا يقول عبد الله بن الماجشون ، صاحب مالك ، وبه يقول عبد الملك بن حبيب الأندلسي ، وغيره. وروينا عن عمرو رضي الله عنه مثل ذلك في تارك الحج وعن ابن عباس وغيره مثل ذلك في تارك الزكاة والصيام ، وفي قاتل المسلم عمدا ، وعن أبي موسى الأشعري وعبد الله بن عمرو بن العاص في شارب الخمر ، وعن إسحاق بن راهويه ، أن من رد حديثا صحيحا عنده عن النبي صلىاللهعليهوسلم فقد كفر.
قال أبو محمد رضي الله عنه : واحتج من كفّر المذنبين بقول الله عزوجل : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ) [سورة المائدة : ٤٤] وبقوله تعالى : (فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى لا يَصْلاها إِلَّا الْأَشْقَى الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى) [سورة الليل : ١٤ ـ ١٦].
فهؤلاء كلهم ممن كذب وتولى ، والمكذب المتولي كافر فهؤلاء كفار.
قال أبو محمد رضي الله عنه : والعجب أن المرجئة المسقطة للوعيد جملة عن المسلمين قد احتجوا بهذه الآية نفسها فقالوا قد أخبرنا الله عزوجل أن النار لا يصلاها إلا الأشقى الذي كذب وتولى فصح أن من لم يكذب ولا يتولى لا يصلاها. قالوا : ووجدنا هؤلاء كلهم لم يكذبوا ولا تولوا ، بل هم مصدقون معترفون بالإيمان ، فصح أنهم لا يصلونها ، وأن المراد بالوعيد المذكور في الآيات المنصوصة إنما هو فعل من تلك الأفاعيل من الكفار خاصة.
قال أبو محمد رضي الله عنه : واحتج أيضا من كفّر من ذكرنا بأحاديث كثيرة منها «سباب المسلم فسوق وقتاله كفر» (١) و «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ، ولا ينهب نهبة ذات شر حين ينهبها وهو مؤمن» (٢) و «ترك الصلاة
__________________
(١) روي الحديث في الصحاح عن أبي هريرة وسعد بن أبي وقاص وابن مسعود رضي الله عنهم. رواه البخاري في الإيمان باب ٣٦ ، والأدب باب ٤٤ ، والفتن باب ٨. ومسلم في الإيمان حديث ١١٦. والترمذي في الإيمان باب ١٥. والنسائي في تحريم الدم باب ٢٧. وابن ماجة في الفتن باب ٤ ، والمقدمة باب ٩. وأحمد في المسند (١ / ١٧٦ ، ٣٨٥ ، ٤١١ ، ٤١٧ ، ٣٣٤ ، ٤٣٩ ، ٤٤٦ ، ٤٥٤ ، ٤٦٠).
(٢) رواه من حديث أبي هريرة البخاري في المظالم باب ٣٠ ، والأشربة باب ١ ، والحدود باب ١ ،