قال أبو محمد رضي الله عنه : واحتجت المعتزلة أيضا بأن قالت : قال الله تعالى : (أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ) [سورة السجدة : ١٨].
قال أبو محمد رضي الله عنه : وهذا لا حجة لهم فيه لأن الله تعالى قال : (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) [سورة القلم : ٣٥]. فصح أن هؤلاء الذين سماهم الله تعالى مجرمين وفساقا ، وأخرجهم عن المؤمنين نصا ، فإنهم ليسوا على دين الإسلام لم يكونوا على دين الإسلام فهم كفّار بلا شكّ ، إذ لا دين هاهنا غيرهما أصلا ، برهان هذا قوله تعالى : (فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى لا يَصْلاها إِلَّا الْأَشْقَى الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى) [سورة الليل : ١٤ ـ ١٦].
وقد علمنا ضرورة أنه لا دار إلا الجنة أو النار ، وأن الجنة لا يدخلها إلا المؤمنون المسلمون فقط ، ونص الله تعالى على أن النار لا يدخلها إلا المكذب المتولي ، والمتولي المكذب كافر بلا خلاف ، فلا يخلد في النار إلا كافر ، ولا يدخل الجنة إلا مؤمن ، فصح أنه لا دين إلا الإيمان والكفر فقط ، وإذ ذلك كذلك فهؤلاء الذين سماهم الله عزوجل مجرمين وفاسقين ، وأخرجهم عن المؤمنين ، فهم كفار مشركون ، لا يجوز غير ذلك. وقالوا : المؤمن ، محمود ، محسن ولي لله عزوجل ، والمذنب مذموم ، مسيء عدو لله. قالوا : ومن المحال أن يكون إنسان واحد محمودا مذموما محسنا مسيئا عدوا لله وليّا له معا.
قال أبو محمد رضي الله عنه : وهذا الذي أنكروه ، لا نكرة فيه ، بل هو أمر موجود مشاهد ، فمن أحسن من وجه ، وأساء من وجه آخر ، كمن صلى ثم زنى فهو محسن محمود ، ولي لله فيما أحسن فيه من صلاة ، وهو مسيء مذموم عدو لله فيما أساء فيه من الزنا ، قال عزوجل : (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً) [سورة التوبة : ١٠٢].
فبالضرورة ندري أن العمل الذي شهد الله عزوجل له أنه عمل صالح فإن عامله فيه محمود محسن مطيع لله تعالى وأن العمل الذي شهد الله عزوجل أنه سيّئ ، فإن عامله فيه مذموم مسيء عاص لله تعالى ، ثم يقال لهم : ما تقولون إن عارضتكم المرجئة بكلامكم نفسه فقالوا : من المحال أن يكون إنسان واحد محمودا مذموما محسنا مسيئا عدوا لله وليا له معا ثم أرادوا تغليب الحمد والإحسان والولاية وإسقاط الذم والإساءة والعداوة كما أردتم أنتم بهذه القضية نفسها تغليب الذم والإساءة والعداوة وإسقاط الحمد والإحسان والولاية ، بما ينفصلون عنهم؟ فإن قالت المعتزلة : إن الشرط في