حمده وإحسانه وولايته أن يجتنب الكبائر قلنا لهم : فإن عارضتك المرجئة فقالت : إن الشرط في ذمه وإساءته ولعنه ، وعداوته ، ترك شهادة التوحيد.
فإن قالت المعتزلة : إن الله قد ذم المعاصي ، وتوعد عليها ، قيل لهم : فإن المرجئة تقول لكم : إن الله تعالى قد حمد الحسنات ووعد عليها وأرادوا بذلك تغليب الحمد كما أردتم تغليب الذم ، فإن ذكرتم آيات الوعيد ذكروا آيات الرحمة.
قال أبو محمد رضي الله عنه : وهذا ما لا مخلص للمعتزلة منه ، ولا للمرجئة أيضا ، فوضح بهذا أن كلا الطائفتين مخطئة ، وأن الحق هو جمع كل ما تعلقت به كلتا الطائفتين من النصوص التي في القرآن والسنن ، ويكفي من هذا كله قول الله عزوجل : (أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى) [سورة آل عمران : ١٩٥] وقوله تعالى : (الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ) [سورة غافر : ١٧]. وقوله تعالى : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) [سورة الزلزلة : ٧ ، ٨]. وقال تعالى : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها) [سورة الأنعام : ١٦٠]. وقال تعالى : (وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ) [سورة الأنبياء : ٤٧].
فصح بهذا كله أنه لا يخرجه عن اسم الإيمان إلا الكفر ، ولا يخرجه عن اسم الكفر إلا الإيمان ، وأن الأعمال حسنها حسن إيمان ، وقبيحها قبيح ليس إيمانا والموازنة تقضي على كل ذلك ، ولا يحبط الأعمال إلا الشرك قال تعالى : (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) [سورة الزمر : ٦٥]. وقالوا : إذا أقررتم أن أعمال البر كلها إيمان وأن المعاصي ليست إيمانا فهو عندكم مؤمن غير مؤمن. قلنا : نعم ، ولا نكرة في ذلك ، وهو مؤمن بالعمل الصالح ، غير مؤمن بالعمل السيّئ ، كما نقول محسن بما أحسن فيه مسيء غير محسن معا بما أساء فيه ، وليس الإيمان عندنا التصديق وحده فيلزمنا التناقض وهذا هو معنى قول النبي صلىاللهعليهوسلم : «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن» (١) أي ليس مطيعا في زناه ذلك ، وهو مؤمن بسائر حسناته ، واحتجوا بقول الله تعالى : (كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) [سورة يونس : ٣٣]. ففرق تعالى بين الفسق والإيمان.
قال أبو محمد رضي الله عنه : نعم وقد أوضحنا أن الإيمان هو كل عمل صالح
__________________
(١) تقدم تخريجه.