قال أبو محمد رضي الله عنه : فنقول : إن المؤمن الفاسق يتولى دينه وملته وعقده وإقراره ، ويتبرأ من عمله الذي هو الفسق والبراءة ، والولاية ليست من عين الإنسان مجردة فقط ، وإنما هي له أو منه بعمله الصالح أو الفاسد ، فإذ ذلك كذلك فبيقين ندري أن المحسن في بعض أفعاله من المؤمنين نتولاه من أجل ما أحسن فيه ، ونبرأ من عمله السيّئ فقط ، وأما الله تعالى فإنه يتولى عمله الصالح عنده ، ويعادي عمله الفاسد ، وأما الدعاء باللعنة والرحمة معا فلسنا ننكره بل هو معنى صحيح ، وما جاء عن الله تعالى قط ، ولا عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم نهي أن يلعن العاصي على معصيته ، ويترحم عليه لإحسانه ، ولو أن امرأ زنى أو سرق ، وحال الحول على ماله وجاهد لوجب أن يحد للزنا والسرقة ، ولو لعن لأحسن لا عنه ، ويعطي نصيبه من المغنم ، ونقبض زكاة ما له ونصلي عليه عند ذلك لقول الله تعالى : (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ) [سورة التوبة : ١٠٣].
وبيقين ندري أن قد كان في أولئك الذين كان عليهالسلام يقبض صدقاتهم ويصلي عليهم مذنبون عصاة ، لا يمكن البتة أن تخلو جميع جزيرة العرب من عاص ، وكذلك كل من مات في عصره عليهالسلام ، وصلى عليه هو عليهالسلام والمسلمون معه وبعده ، فبيقين ندري أنه قد كان فيهم مذنب بلا شك وإذا صلى عليه دعا له بالرحمة وإن ذكر عمله القبيح لعن وذم.
قال أبو محمد رضي الله عنه : ونعكس عليهم هذا السؤال نفسه في أصحاب الصغائر الذين يوقع عليهم المعتزلة اسم الإيمان فهذه السؤالات كلها لازمة لهم إذ الصغائر ذنوب ومعاصي بلا شك إلا أننا لا نوقع عليها اسم فسق ولا ظلم إذا انفردت عن الكبائر لأن الله تعالى ضمن غفرانها لمن اجتنب الكبائر ، ومن غفر له ذنبه فمن المحال أن يوقع عليه اسم فاسق ، أو اسم ظالم ، لأن هذين اسمان يسقطان قبول الشهادة ، ومجتنب الكبائر وإن تستر بالصغائر فشهادته مقبولة ، لأنه لا ذنب له وبالله تعالى التوفيق.
قال أبو محمد رضي الله عنه : ولنا على المعتزلة إلزامات أيضا تعمهم ، والخوارج المكفرة (١) ننبه عليها عند نقضنا أقوال المكفرة إن شاء الله تعالى ، وبه نتأيد.
قال أبو محمد رضي الله عنه : ويقال لمن قال إن صاحب الكبيرة كافر : قال الله
__________________
(١) أي التي تكفّر صاحب الكبيرة.