عزوجل : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ) [سورة البقرة : ١٧٨]. فابتدأ الله عزوجل بخطاب أهل الإيمان ، من كان فيهم من قاتل أو مقتول ، ونص تعالى على أن القاتل عمدا مؤمن بنص القرآن وحكم له بأخوة الإيمان ولا يكون الكافر مع المؤمن بتلك الأخوة ، وقال تعالى : (وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ) [سورة الحجرات : ٩ ـ ١٠] فهذه الآية رافعة للشك جملة في قوله تعالى إن الطائفة الباغية على الطائفة الأخرى من المؤمنين المأمور سائر المؤمنين بقتالها حتى تفيء إلى أمر الله تعالى إخوة للمؤمنين المقاتلين ، وهذا أمر لا يضل عنه إلا ضال. وهاتان الآيتان حجة قاطعة أيضا على المعتزلة المسقطة اسم الإيمان عن القاتل ، وعلى كل من أسقط عن صاحب الكبائر اسم الإيمان ، وليس لأحد أن يقول : إنه تعالى إنما جعلهم إخواننا إذا تابوا لأن نص الآية أنهم إخوان في حالة البغي وقبل الفيئة إلى الحق.
قال أبو محمد رضي الله عنه : وقال بعضهم إن هذا الاقتتال إنما هو التضارب.
قال أبو محمد رضي الله عنه : وهذا خطأ فاحش لوجهين أحدهما أنه دعوى بلا برهان ، وتخصيص الآية بلا دليل ، وما كان هكذا فهو باطل بلا شك.
والثاني : أن ضرب المسلم للمسلم ظلما وبغيا فسق ومعصية. ووجه ثالث وهو أن الله تعالى لو لم يرد القتال المعهود لما أمرنا بقتال من لا يزيد على الملاطمة وقد عم تعالى فيها باسم البغي فكل بغي فهو داخل تحت هذا الحكم.
قال أبو محمد رضي الله عنه : وقد ذكروا قول الله عزوجل : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً) [سورة سورة النساء آية ٩٢].
قال أبو محمد : رضي الله عنه : فهذه الآية بظاهرها دون تأويل حجة لنا عليهم لأنه ليس فيها أن القاتل العامد ليس مؤمنا ، وإنما فيها نهى المؤمن عن قتل المؤمن عمدا فقط لأنه تعالى قال : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً) وهكذا نقول ليس للمؤمن قتل المؤمن عمدا ثم قال تعالى : (إِلَّا خَطَأً). فاستثنى عزوجل الخطأ في القتل من جملة ما حرم من قتل المؤمن للمؤمن لأنه لا يجوز النهي عما لا يمكن