الانتهاء عنه ولا يقدر عليه ، لأن الله تعالى أمننا من أن يكلفنا ما لا طاقة لنا به وكل فعل خطأ فلم ننه عنه بل قد قال تعالى : (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) [سورة الأحزاب آية رقم ٥] فبطل تعقلهم بهذه الآية ، وكذلك قول رسول الله صلىاللهعليهوسلم «لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض» (١). فهو أيضا على ظاهره ، وإنما في هذا اللفظ النهي عن أن يرتدوا بعده إلى الكفر فيقتتلوا في ذلك فقط ، وليس في هذا اللفظ أن القاتل كافر ولا فيه أيضا نهي عن الزنا ولا عن السرقة ، وليس في كل حديث حكم كل شريعة ، فبطل تعلقهم بهذا الخبر. وكذلك قوله عليهالسلام : «سباب المؤمن فسوق وقتاله كفر». (٢) فهو أيضا على عمومه لأن قوله عليهالسلام : المسلم هاهنا عموم للجنس ، ولا خلاف في أن من نابذ جميع المسلمين وقاتلهم لإسلامهم فهو كافر ، برهان هذا هو ما ذكرنا قبل من نص القرآن في أن القاتل عمدا والمقاتل مؤمنان وكلامه عليهالسلام لا يتعارض ولا يختلف ، وكذلك قوله عليهالسلام : «لا ترغبوا عن آبائكم ، فإنه كفر لكم أن ترغبوا عن آبائكم» (٣) فإنه عليهالسلام لم يقل كفر منكم ، ولم يقل إنه كفر بالله تعالى ، نعم نحن نقرأ أن من رغب عن أبيه فقد كفر بأبيه وجحده ، ويقال لمن قال إن صاحب الكبيرة ليس مؤمنا ، ولكنه كافر أو فاسق : ألم يقل الله عزوجل : (وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ) [سورة البقرة آية رقم ٢٢١].
وقال تعالى : (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَ) [سورة الممتحنة آية رقم ١٠].
وقال تعالى : (وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ) [سورة الممتحنة آية رقم ١٠].
__________________
(١) رواه البخاري في العلم باب ٤٣ ، والأضاحي باب ٥. ومسلم في الإيمان (حديث ١١٨ ـ ١٣٠) والقسامة (حديث ٣٩). وأبو داود في السنّة باب ١٥. والترمذي في الفتن باب ٣٨. والدارمي في المناسك باب ٧٦. وأحمد في المسند (٣ / ٨٥ ، ٨٧).
(٢) روي من حديث سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن مسعود وأبي هريرة. رواه البخاري في الإيمان باب ٣٦ ، والأدب باب ٤٤ ، والفتن باب ٨. ومسلم في الإيمان حديث ١١٦. والترمذي في الإيمان باب ١٥. والنسائي في تحريم الدم باب ٢٧. وابن ماجة في المقدمة باب ٩ ، والفتن باب ٤. وأحمد في المسند (١ / ١٧٦ ، ٣٨٥ ، ٤١١ ، ٤٣٣ ، ٤٣٩ ، ٤٤٦ ، ٤٥٤ ، ٤٦٠).
(٣) تقدّم تخريجه.