قال أبو محمد : هذا حديثان لا يصحان أصلا من طريق الإسناد وما كان هكذا فليس حجة عند من يقول بخبر الواحد فكيف من لا يقول به. واحتجوا بالخبر الثابت عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «من قال لأخيه يا كافر فقد باء بالكفر أحدهما» (١).
قال أبو محمد : وهذا لا حجة لهم فيه لأن لفظه يقتضي أنه يأثم برميه بالكفر ولم يقل عليهالسلام إنه بذلك كافر.
قال أبو محمد : والجمهور من المحتجين بهذا الخبر لا يكفرون من قال لمسلم يا كافر في مشاتمة تجري بينهما فبهذا خالفوا الخبر الذي احتجوا به.
قال أبو محمد : والحق هو أن كل من ثبت له عقد الإسلام فإنه لا يزول عنه إلّا بنفي أو إجماع وأما بالدعوى والافتراء فلا. فوجب أن لا يكفر أحد بقول قاله إلّا بأن يخالف ما قد صح عنده أن الله تعالى قاله أو أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قاله فيستجيز خلاف الله تعالى وخلاف رسوله عليه الصلاة والسلام وسواء كان ذلك في عقد دين أو في نحلة أو في فتيا وسواء كان ما صح من ذلك عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم منقولا نقل إجماع تواترا أو نقل آحاد إلّا أن من خالف الإجماع المتيقن المقطوع على صحته فهو أظهر في قطع حجته ووجوب تكفيره لاتفاق الجميع على معرفة الإجماع وعلى تكفير مخالفته ، برهان صحة قولنا قول الله تعالى : (وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً) [سورة النساء آية رقم ١١٥].
قال أبو محمد : هذه الآية نص بتكفير من فعل ذلك. فإن قال قائل : إن من اتبع غير سبيل المؤمنين فليس من المؤمنين. قلنا له وبالله تعالى التوفيق : ليس كل من اتبع غير سبيل المؤمنين كافرا لأن الزنا وشرب الخمر وأكل أموال الناس بالباطل ليست من سبيل المؤمنين وقد علمنا أن من اتبعها فقد اتبع غير سبيل المؤمنين وليس مع ذلك كافرا ولكن البرهان في هذا قول الله عزوجل : (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [سورة النساء آية رقم ٦٥].
__________________
(١) رواه البخاري في الأدب ٧٣ عن عبد الله بن عمر وعن أبي هريرة ، ورواه عن ابن عمر : مسلم في الإيمان حديث ١١١ ، والترمذي في الإيمان باب ١٦ ، ومالك في الكلام باب ١ ، وأحمد في المسند (٢ / ١٨ ، ٤٤ ، ٤٧ ، ٦٠ ، ١١٢ ، ١١٣ ، ١٤٢).