بعضا فيلزم على هذا تكفير من ذكرنا وحاشا لله من هذا.
قال أبو محمد : ونقول لمن كفّر إنسانا بنفس مقاله دون أن تقوم عليه الحجة فيعاند رسول الله صلىاللهعليهوسلم ويجد في نفسه الحرج مما أتى به : أخبرنا هل ترك رسول الله صلىاللهعليهوسلم شيئا من الإسلام الذي يكفر من لم يقل به إلّا وقد بينه ودعا إليه الناس كافة؟ فلا بد من نعم ومن أنكر هذا فهو كافر بلا خلاف فإذا أقر بذلك سئل : هل جاء قط عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه لم يقبل إيمان أهل قرية أو أهل حلة أو إنسان أتاه من حر أو عبد أو امرأة إلا حتى يقرّ أنّ الاستطاعة قبل الفعل أو مع الفعل أو أن القرآن مخلوق أو غير مخلوق أو أن الله تعالى يرى أو لا يرى أو أن له سمعا وبصرا وحياة أو غير ذلك من فضول المتكلمين التي أوقعها الشيطان منهم ليوقع بينهم العداوة والبغضاء؟ فإن ادعى أن النبي صلىاللهعليهوسلم لم يدع أحدا يسلم حتى يوقفه على هذه المعاني كان قد كذب بإجماع المسلمين من أهل الأرض وقال ما ندري أنه فيه كاذب فادعى أن جميع الصحابة رضي الله عنهم تواطئوا على كتمان ذلك من فعله عليهالسلام وهذا محال ممتنع في الطبيعة ثم فيه نسبة الكفر إليهم إذ كتموا ما لا يتم إسلام أحد إلّا به. وإن قالوا : إنه صلىاللهعليهوسلم لم يدع قط أحدا إلى شيء من هذا ولكنه مودع في القرآن وفي كلامه صلىاللهعليهوسلم. قيل له : صدقت وقد صح بهذا أنه لو كان جهل شيء من هذا كله كفرا لما ضيع رسول الله صلىاللهعليهوسلم بيان ذلك للحر والعبد والحرة والأمة ومن جوّز هذا فقد قال إن رسول الله صلىاللهعليهوسلم لم يبلّغ كما أمر وهذا كفر مجرد ممن أجازه فصح ضرورة أن الجهل بكل ذلك لا يضر شيئا وإنما يلزم الكلام فيها إذا خاض فيها الناس فيلزم حينئذ بيان الحق من القرآن والسنة لقول الله عزوجل : (كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ) [سورة المائدة : ٨] ولقول الله عزوجل : (لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ) [سورة آل عمران : ١٨٧].
فمن عند حينئذ بعد بيان الحق فهو كافر لأنه لم يحكم رسول الله صلىاللهعليهوسلم ولا سلم لما قضى به وقد صح عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن رجلا لم يعمل خيرا قطّ فلما حضره الموت قال لأهله إذا مت فأحرقوني ثم ذروا رمادي في يوم راح نصفه في البحر ونصفه في البر فو الله لئن قدر الله عليّ ليعذبني عذابا لم يعذبه أحدا من خلقه
__________________
(٨ / ٤٢٠) وتاريخ البخاري الصغير (١ / ١٦٠) والجرح والتعديل (٩ / ١٣١٧) والثقات (٣ / ٤٣٨) وتعجيل المنفعة (١١٩٨ و ١٣٦٤).