الصفات يقول لمن أثبتها أنتم تجعلون مع الله عزوجل أشياء لم تزل وتشركون به غيره وتعبدون غير الله لأن الله تعالى لا أحد معه ولا شيء معه في الأزل وأنتم تعبدون شيئا من جملة أشياء لم تزل وهكذا في كل ما اختلف فيه حتى في الكون والجزء وحتى في مسائل الأحكام والعبادات فأصحاب القياس يدعون علينا خلاف الإجماع وأصحابنا يثبتون عليهم خلاف الإجماع وإحداث شرائع لم يأذن الله عزوجل بها وكل فرقة فهي تنتفي بما تسميها به الأخرى وتكفر من قال شيئا من ذلك فصح أنه لا يكفر أحد إلّا بنفس قوله ونص معتقده ولا ينفع أحد أن يعبر عن معتقده بلفظ يحسن به قبحه لكن المحكوم هو مقتضى قوله فقط وأما الأحاديث الواردة في أن ترك الصلاة شرك فلا تصحّ من طريق الإسناد وأما الأخبار التي فيها من قال لا إله إلّا الله دخل الجنة فقد فات أحاديث أخر بزيادة على هذا الخبر لا يجوز ترك تلك الزيادة وهي قوله عليهالسلام : «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلّا الله وأني رسول الله ويؤمنوا بما أرسلت به» (١) فهذا هو الذي لا إيمان لأحد بدونه.
قال أبو محمد : واحتج بعض من يكفر من سب الصحابة رضي الله عنهم بقول الله عزوجل : (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ) إلى قوله : (لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ) [سورة الفتح آية رقم ٢٩].
قال : فكل من أغاظه أحد من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم فهو كافر.
قال أبو محمد : وقد أخطأ من حمل الآية على هذا لأن الله عزوجل لم يقل قط إن كل من غاظه واحد منهم فهو كافر وإنما أخبر تعالى أنه يغيظ بهم الكفار فقط ونعم هذا حق لا ينكره مسلم وكل مسلم فهو يغيظ الكفار وأيضا فإنه لا يشك أحد ذو حس سليم في أن عليّا قد غاظ معاوية وأن معاوية وعمرو بن العاص غاظا عليا وأن عمارا قد أغاظ أبا الغادية (٢) وكلهم أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقد غاظ بعضهم
__________________
(١) الحديث روي في الصحاح بألفاظ وأسانيد متعددة ، فرواه البخاري في الإيمان باب ١٧ ، والزكاة باب ١ ، والصلاة باب ٢٨ ، واستتابة المرتدين باب ٣ ، والاعتصام بالكتاب والسنّة باب ٢ ، ٢٨. والجهاد باب ٩٥. والترمذي في الإيمان باب ١ و ٢ ، وتفسير سورة ٨٨. والنسائي في الزكاة باب ٣ ، والإيمان باب ١٥ ، والجهاد باب ١ ، وتحريم الدم باب ١. وابن ماجة في المقدمة باب ٩ ، والفتن باب ١. والدارمي في السير باب ١٠. وأحمد في المسند (١ / ١١ ، ٧٨ ، ٢ / ٣١٤ ، ٣٤٥ ، ٣٧٧ ، ٤٢٣ ، ٤٣٩ ، ٤٧٥ ، ٤٨٢ ، ٢٠٥ ، ٥٢٧ ، ٢٨٥ ، ٣ / ١٩٩ ، ٢٢٤ ، ٣٠٠ ، ٣٣٢ ، ٣٩٤ ، ٤ / ٩ ، ٥ / ٢٤٦).
(٢) هو أبو الغادية المزني الشامي الجهني يسار بن سبع. انظر ترجمته في تاريخ البخاري الكبير