يكفرا لأنهما لم يكونا حينئذ مكذبين لله تعالى ، ولو قذفاها بعد نزول الآية لكفرا ، وأما من سب أحدا من الصحابة رضي الله عنهم ، فإن كان جاهلا فمعذور وإن قامت عليه الحجة فتمادى غير معاند فهو فاسق ، كمن زنى وسرق ، وإن عاند الله تعالى في ذلك ورسوله صلىاللهعليهوسلم فهو كافر ، وقد قال عمر رضي الله عنه بحضرة النبي صلىاللهعليهوسلم عن حاطب ـ وحاطب مهاجر بدري ـ دعني أضرب عنق هذا المنافق فما كان عمر بتكفيره حاطبا كافرا بل كان مخطئا متأولا ، وقد قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «آية المنافق بغض الأنصار». (١) وقال لعلي : «لا يبغضك إلا منافق» (٢).
قال أبو محمد رضي الله عنه : ومن أبغض الأنصار لأجل نصرتهم للنبي صلىاللهعليهوسلم فهو كافر لأنه وجد الحرج في نفسه مما قضى الله تعالى ورسوله صلىاللهعليهوسلم من إظهار الإيمان بأيديهم ، ومن عادى عليّا لمثل ذلك فهو أيضا كافر ، وكذلك من عادى من ينصر الإسلام لأجل نصرة الإسلام لا لغير ذلك ، وقد فرق بعضهم بين الاختلاف في الفتيا والاختلاف في الاعتقاد بأن قال : قد اختلف أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم في الفتيا فلم يكفر بعضهم بعضا ولا فسق بعضهم بعضا.
قال أبو محمد رضي الله عنه : وهذا ليس بشيء فقد حدث إنكار القدر في أيامهم فما كفرهم أكثر الصحابة رضي الله عنهم وقد اختلفوا في الفتيا واقتتلوا على ذلك وسفكت الدماء كاختلافهم في تقديم بيعة عليّ على النظر في قتلة عثمان رضي الله عنه وقد قال ابن عباس رضي الله عنه : من شاء باهلته عند الحجر الأسود ، أن الذي أحصى رمل عالج لم يجعل في فريضة واحدة نصفا ، ونصفا وثلثا.
قال أبو محمد رضي الله عنه : وهنا أقوال غريبة جدا فاسدة ، منها أن أقواما من الخوارج قالوا : كل معصية فيها حد فليست كفرا ، وكل معصية لا حد فيها فهي كفر.
قال أبو محمد رضي الله عنه : وهذا تحكم بلا برهان ودعوى بلا دليل ، وما كان هكذا فهو باطل قال تعالى : (قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) [سورة البقرة : ١١١]. فصح أن من لا برهان له على قوله فليس صادقا فيه.
__________________
(١) رواه البخاري في الإيمان باب ١٠ ، ومناقب الأنصار باب ٤. ومسلم في الإيمان حديث ١٢٧ و ١٢٨.
(٢) رواه بلفظ : «لا يحبّ عليّا منافق ، ولا يبغضه مؤمن» الترمذي في المناقب باب ٢٠ ، والنسائي في الإيمان باب ١٩ و ٢٠ ، وأحمد في المسند (٦ / ٢٩٢).