قال أبو محمد رضي الله عنه : فصح بما قلنا أن كل من كان على غير الإسلام وقد بلغه أمر الإسلام فهو كافر ، ومن تأول من أهل الإسلام فأخطأ فإن كان لم تقم عليه الحجة ، ولا تبين له الحق فهو معذور مأجور أجرا واحدا لطلبه الحق وقصده إليه ، مغفور له خطؤه إذ لم يتعمّده لقول الله تعالى : (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) [سورة الأحزاب : ٥].
وإن كان مصيبا فله أجران ، أجر لإصابته ، وأجر آخر لطلبه إياه ، وإن كان قد قامت الحجة عليه وتبين له الحق فعند عن الحق غير معارض له تعالى ولا لرسوله صلىاللهعليهوسلم فهو فاسق لجرأته على الله تعالى بإصراره على الأمر الحرام ، فإن عند عن الحق معارضا لله تعالى ولرسوله صلىاللهعليهوسلم فهو كافر مرتد حلال الدم والمال لا فرق في هذه الأحكام بين الخطأ في الاعتقاد في أي شيء كان من الشريعة وبين الخطأ في الفتيا في أي شيء كان على ما بينا قبل.
قال أبو محمد رضي الله عنه : ونحن نختصر هاهنا إن شاء الله تعالى ونوضح كل ما أطلنا فيه ، قال تعالى : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) [سورة الإسراء : ١٥] وقال تعالى : (لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ) [سورة الأنعام : ١٩] وقال تعالى : (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [سورة النساء : ٦٥]. فهذه الآيات فيها بيان جمع هذا الباب فصح أنه لا يكفر أحد حتى يبلغه أمر النبي صلىاللهعليهوسلم فمن بلغه فلم يؤمن به فهو كافر ، فإن آمن به ثم اعتقد ما شاء الله تعالى أن يعتقده في نحلة أو فتيا أو عمل ما شاء الله تعالى أن يعمله دون أن يبلغه في ذلك عن النبي صلىاللهعليهوسلم حكم بخلاف ما اعتقد أو ما قال أو عمل ، فلا شيء عليه أصلا حتى يبلغه ، فإن بلغه وصح عنده فإن خالفه مجتهدا فيما لم يبين له وجه الحق في ذلك فهو مخطئ معذور مأجور مرة واحدة كما قال عليهالسلام : «إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر» (١). وكل معتقد أو قائل أو عامل فهو حاكم في ذلك الشيء وإن خالفه بعمله معاندا للحق معتقدا بخلاف ما عمل به فهو مؤمن فاسق ، وإن خالفه معاندا بقوله أو قلبه فهو كافر مشرك سواء ذلك في المعتقدات والفتيا للنصوص التي أوردناها وهو قول إسحاق بن راهويه وغيره ، وبه نقول وبالله تعالى التوفيق.
__________________
(١) رواه البخاري في الاعتصام بالكتاب والسنّة باب ٢٠ و ٢١. ومسلم في الأقضية حديث ١٥. وأبو داود في الأقضية باب ٢. والنسائي في الأحكام باب ٢ ، والقضاة باب ٣. وابن ماجة في الأحكام باب ٣. وأحمد في المسند (٤ / ١٩٨ ، ٢٠٤ ، ٢٠٥).