وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ فَإِنَّ اللهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ) [سورة البقرة : ٩٨]. فكفر تعالى من عادى أحدا منهم ، فإن قال قائل كيف لا يعصون والله تعالى يقول : (وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ) [سورة الأنبياء : ٢٩].
قلنا : نعم ، هم متوعدون على المعاصي كما توعد رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذ يقول له ربه : (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) [سورة الزمر : ٦٥]. وقد علم عزوجل أنه عليهالسلام لا يشرك أبدا وأن الملائكة لا يقول أحد منهم أبدا إنّي إله من دون الله ، وكذلك قوله تعالى : (يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ) [سورة الأحزاب : ٣٠]. وهو تعالى قد برأهن ، وعلم أنه لا يأتي أحد منهنّ بفاحشة أبدا بقوله تعالى : (وَالطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ أُولئِكَ مُبَرَّؤُنَ مِمَّا يَقُولُونَ) [سورة النور : ٢٦] لكن الله تعالى يقرر ما يشاء ويشرع ما يشاء ويفعل ما يشاء لا معقب لحكمه ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون ، فأخبر عزوجل بحكم هذه الأمور لو كانت ، وقد علم أنها لا تكون كما قال تعالى : (لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ) [سورة الأنبياء : ١٧]. وكما قال : (لَوْ أَرادَ اللهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لَاصْطَفى مِمَّا يَخْلُقُ ما يَشاءُ) [سورة الزمر : ٤]. وكما قال تعالى : (وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ) [سورة الأنعام : ٢٨]. وكما قال تعالى : (قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولاً) [سورة الإسراء : ٩٥] وكل هذا قد علم الله تعالى أنه لا يكون أبدا وبالله تعالى التوفيق.
فإن قال قائل : إن الملائكة مأمورون لا منهيون ، قلنا : هذا باطل لأن كل مأمور بشيء فهو منهي عن تركه وقوله تعالى : (يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ) يدل على أنهم منهيون عن أشياء يخافون من فعلها ، وقال عزوجل : (ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَما كانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ) [سورة الحجر : ٨].
قال أبو محمد رضي الله عنه : وهذا مبطل ظن من ظن أن هاروت وماروت كانا ملكين فعصيا بشرب الخمر والزنا والقتل ، وقد أعاذ الله عزوجل الملائكة من مثل هذه الصفة بما ذكرنا آنفا أنهم لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون وبإخباره تعالى أنهم لا يسأمون ، ولا يفترون ، ولا يستحسرون عن طاعته عزوجل ، فوجب يقينا أنه ليس في الملائكة البتة عاص لا بعمد ولا بخطإ ولا بنسيان وقال عزوجل : (جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) [سورة فاطر : ١]. فكل الملائكة رسل الله عزوجل بنص القرآن ، والرسل معصومون فصح أن هاروت وماروت المذكورين في