٦٣] وبطلبه إذ طلب رؤية إحياء الموتى (قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) [سورة البقرة آية رقم ٢٦٠].
قال أبو محمد : وهذا كله ليس على ما ظنوه بل هو حجة لنا والحمد لله رب العالمين.
أما الحديث : أنه عليهالسلام كذب ثلاث كذبات (١) ، فليس كل كذب يكون معصية ، بل منه ما يكون طاعة لله عزوجل وفرضا واجبا يعصي من تركه ، صح أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيرا» (٢).
فقد أباح عليهالسلام كذب الرجل لامرأته فيما يستجلب به مودتها ، وكذلك الكذب في الحرب ، فقد أجمع أهل الإسلام على أن إنسانا لو سمع مظلوما قد ظلمه سلطان وطلبه ليقتله بغير حق ويأخذ ماله غصبا فاستتر عنده وسمعه يدعو على من ظلمه قاصدا بذلك السلطان فسأل السلطان ذلك السامع عما سمعه منه وعن موضعه فإنه إن كتم ما سمع وأنكر أن يكون سمعه ، أو أنه يعرف موضعه أو موضع ماله ، فإنه محسن مأجور مطيع لله عزوجل ، وأنه إن صدقه فأخبره بما سمعه منه وبموضعه وموضع ماله كان فاسقا عاصيا لله عزوجل ، فاعل كبيرة مذموما تماما.
وقد أبيح الكذب في إظهار الكفر في التقية ، وكل ما روي عن إبراهيم عليهالسلام في تلك الكذبات فهو داخل في الصفة المحمودة ، لا في الكذب الذي نهي عنه ، وأما قوله عن سارة هي أختي فصدق هي أخته من وجهين :
قال الله تعالى : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) [سورة الحجرات آية رقم ١٠].
وقال عليهالسلام : «لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه». (٣)
__________________
(١) جزء من حديث طويل رواه الإمام أحمد في المسند (٣ / ٢٤٤) عن أنس بن مالك ، وفيه : «... فيأتون إبراهيم فيقول : لست هناكم ، ويذكر خطيئته التي أصاب ثلاث كذبات كذبهن : قوله إني سقيم ، وقوله بل فعله كبيرهم هذا ، وأتى على جبار مترف ومعه امرأته فقال : أخبريه أني أخوك فإني مخبره أنك أختي».
(٢) رواه البخاري في الصلح باب ٢ ، ومسلم في البرّ حديث ١٠٠ ، وأبو داود في الأدب باب ٥٠ ، والترمذي في البرّ باب ٢٦ ، وأحمد في المسند (٦ / ٤٠٣ ، ٤٠٤).
(٣) روي في الصحاح من طرق متعددة ، فرواه البخاري في النكاح باب ٤٥ ، والبيوع باب ٥٨ ، والشروط باب ٨. ومسلم في البيوع حديث ٨ ، والنكاح حديث ٣٨ ، ٤٩ ـ ٥٢ ، ٥٤ ـ ٥٦. وأبو داود في النكاح باب ١٧. والترمذي في النكاح باب ٣٨. والنسائي في البيوع باب ١٩.