يأتي معصية قبل أن يتنبأ؟ فجوابنا وبالله تعالى التوفيق : أن كل نبي فإنه قبل أن ينبأ لا يخلو من أحد وجهين لا ثالث لهما : إما أن يكون متعبدا بشريعة نبي أتى قبله كما كان عيسى عليهالسلام وأنبياء بني إسرائيل الذين كانوا متعبدين بشريعة موسى عليه الصلاة والسلام. وإما أن يكون قد نشأ في قوم قد درست شريعتهم ، ودثرت ونسيت كما في بعث محمد صلىاللهعليهوسلم في قوم قد نسوا شريعة إسماعيل ، وإبراهيم ، عليهماالسلام.
قال تعالى : (وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى) [سورة الضحى آية رقم ٧].
وقال تعالى : (لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ) [سورة يس آية رقم ٦] فإن كان النبي متعبدا بشريعة ما ، فقد أبطلنا آنفا أن يكون نبي يعصي ربه أصلا.
وإن كان نشأ في قوم دثرت شريعتهم فهو غير متعبد ، ولا مأمور بما لم يأته أمر الله تعالى به بعد فليس عاصيا لله تعالى في شيء يفعله أو يتركه ، إلا أننا ندري أن الله عزوجل قد طهر أنبياءه وصانعهم من كل ما يعابون به ، لأن العيب أذى ، وقد حرم الله عزوجل أن يؤذى رسوله.
قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً) [سورة الأحزاب آية رقم ٥٧].
قال أبو محمد : فبيقين ندري أن الله تعالى صان أنبياءه عن أن يكونوا لبغية أو من ولادة بغي ، أو من بغايا ، بل بعثهم تعالى في حسب قومهم ، فإذ لا شك في هذا فبيقين ندري أن الله تعالى عصمهم قبل النبوة من كل ما يؤذون به بعد النبوة ، فدخل في ذلك السرقة ، والعدوان ، والقسوة ، والزنا ، واللياطة ، والبغي ، وأذى الناس في حريمهم وأموالهم وأنفسهم ، وكل ما يعاب به المرء ويتشكى منه ويؤذى بذكره.
وقد صح عن النبي صلىاللهعليهوسلم في هذا ما حدثناه أحمد بن محمد الطلمنكي ، أنا ابن فرج ، أنا إبراهيم بن محمد بن فراس ، أنبأنا أحمد بن محمد بن سالم النيسابوري ، أنا إسحاق بن راهويه ، أنا وهب بن جرير بن حازم ، أنا أبي ، أنبأنا محمد بن إسحاق ، حدثني محمد بن عبد الله بن قيس بن مخرمة عن الحسن بن محمد بن علي بن أبي طالب ، عن أبيه هو ابن الحنفية ، عن أبيه هو علي بن أبي طالب ، قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول :
«ما هممت بقبيح مما كان أهل الجاهلية يهمون به إلا مرتين من الدهر كلتاهما يعصمني الله منهما. قلت ليلة لفتى كان معي من قريش بأعلى مكة في أغنام لأهلها ترعى أبصر لي غنمي حتى أسمر هذه الليلة بمكة كما يسمر