لأن الله تعالى قد أكذب هذا القول بقوله تعالى : (إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِ) [سورة الكهف : ٥٠]. وبقوله : (أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي) [سورة الكهف : ٥٠] ولا ذرية للملائكة ، وبقوله تعالى : (إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ) [سورة الأعراف : ٢٧]. وبإخباره أنه خلق إبليس من نار السموم ، وصح عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «خلقت الملائكة من نور» (١). والنور غير النار بلا شك ، فصح أن الجن غير الملائكة ، والملائكة كلهم خيار مكرمون بنص القرآن ، والجن كالإنس فيهما مذموم ومحمود. فإن قال قائل إن الله عزوجل ذكر أنهم قالوا : (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ) [سورة البقرة : ٣٠]. هذه تزكية لأنفسهم ، وقد قال تعالى .. (فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ) [سورة النجم : ٣٢].
قلنا وبالله تعالى التوفيق :
مدح المرء لنفسه ينقسم قسمين أحدهما : ما قصد به المرء الافتخار بغيا وانتقاصا لغيره فهذه هي التزكية وهو مذموم جدا ، والآخر : ما خرج مخرج الإخبار بالحق كقول رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أنا سيد ولد آدم ولا فخر» (٢) و «فضلت على الأنبياء بست» (٣) وكقول يوسف عليهالسلام : (اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) [سورة يوسف : ٥٥].
ولا يسمّى هذا تزكية.
ومن هذا الباب قول الملائكة هاهنا ، برهان هذا أنه لو كان قولهم مذموما لأنكره الله عزوجل عليهم ، فإذ لهم ينكره الله تعالى فهو صدق.
ومن هذا الباب قولنا : نحن المسلمون ونحن خير أمة أخرجت للناس وكقول الحواريين : نحن أنصار الله.
فكل هذا إذا قصد به الحض على الخير لا الفخر ، فهو خير.
فإن قال قائل : إن الله تعالى قال لهم : (إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ) [سورة البقرة : ٣٠].
قلنا : نعم وما شك الملائكة قط أن الله تعالى يعلم ما لا يعلمون ، وليس هذا إنكارا.
__________________
(١) رواه مسلم في الزهد (حديث ٦٠) وأحمد في المسند (٦ / ١٥٣ ، ١٦٨).
(٢) رواه الترمذي في تفسير سورة ١٧ باب ١٨ ، والمناقب باب ١. وابن ماجة في الزهد باب ٣٧. وأحمد في المسند (١ / ٥ ، ٢٨١ ، ٢٩٥ ، ٣ / ٢ ، ١٤٤ ، ٥ / ١٣٧ ، ١٣٨ ، ٣٩٣).
(٣) رواه مسلم في المساجد ومواضع الصلاة (حديث ٥) والترمذي في السير باب ٥ ، وأحمد في المسند (٢ / ٤١٢).