[٤٨]. وقال تعالى : (كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخافُ اللهَ رَبَّ الْعالَمِينَ) [سورة الحشر : ١٦]. فقد أمر الشيطان الإنسان بالكفر ثم تبرأ منه وأخبره أنه يخاف الله وغر الكفار ثم تبرأ منهم وقال : إني أخاف الله.
فأي فرق بين أن يقول الشيطان للإنسان اكفر ويغرّه ثم يتبرأ منه ، ويقول إني أخاف الله ، وبين أن يعلمه السحر ويقول له لا تكفر؟
والثالث : أن معلم السحر بنص الآية قد قال للذي يتعلم منه لا تكفر فسواء كان ملكا أو شيطانا قد علمه على قولك ما لا يحل وقال له : لا تكفر ، فلم تنكر هذا من الشيطان ولا تنكره بزعمك من الملك؟ وأنت تنسب إليه أنه يعلم السحر الذي هو عندك ضلال وكفر.
وإمّا أن يكون هاروت وماروت ملكين نزلا بشريعة حق وبعلم ما ، على أنبياء ، فعلماهم الدين ، وقالا لهم لا تكفروا نهيا عن الكفر بحق وأخبراهم أنهم فتنة يضل الله تعالى بهما وبما أتيا به ، من كفر به ، ويهدي بما من آمن بما أتيا به قال تعالى عن موسى أنه قال : (إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ) [سورة الأعراف : ١٥٥].
وكما قال تعالى : (الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ) [سورة العنكبوت : ١].
ثم نسخ ذلك الذي أنزل على الملكين فصار كفرا بعد أن كان إيمانا ، كما نسخ تعالى شرائع التوراة والإنجيل فتمادت الجن على تعليم ذلك المنسوخ. وبالجملة فما في الآية نص ولا دليل على أن الملكين علما السحر ، وإنما هو إقحام أقحم في الآية بالكذب والإفك ، بل فيها بيان أنه لم يكن سحرا بقوله تعالى : (وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ) [سورة البقرة : ١٠٢] فصح أن السحر شيء غير الذي أنزل على الملكين.
ولا يجوز أن يجعل المعطوف والمعطوف عليه شيئا واحدا إلا ببرهان من نص أو إجماع أو ضرورة ، وإلا فلا أصلا.
وأيضا فإن بابل هي الكوفة وهي بلد معروف بقربها ، محدودة معلومة ليس فيها غار فيه ملك فصح أنه خرافة موضوعة إذ لو كان ذلك ما خفي مكانها على أهل الكوفة ، فبطل التعلق بهاروت وماروت ، والحمد لله رب العالمين.
قال أبو محمد : وقد ادعى قوم أن إبليس كان ملكا فعصى وحاشا لله من هذا ،