وقال تعالى : (أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ) [سورة البقرة : ١٧٠].
وقال تعالى : (وَقالُوا رَبَّنا إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا) [سورة الأحزاب : ٦٧].
وقالوا : فذم الله تعالى اتباع الآباء والرؤساء. قالوا : وبيقين ندري أنه لا يعلم أحد أي الأمرين أهدى ولا هل يعلم الآباء شيئا أو لا يعلمون إلا بالدليل. وقالوا : كل ما لم يكن يصح بدليل فهو دعوى ولا فرق بين الصادق والكاذب بنفس قولهما ، لكن بالدليل قال الله عزوجل : (قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) [سورة البقرة : ١١١].
قالوا : فمن لا برهان له فليس صادقا في قوله ، وقالوا : ما لم يكن علما فهو شك وظن.
قالوا : والعلم هو اعتقاد الشيء على ما هو به عن ضرورة واستدلال.
قالوا : والديانات لا يعرف صحة الصحيح منها من بطلان الباطل منها بالحواس أصلا ، فصح أنه لا يعلم ذلك إلا من طريق الاستدلال ، فإذا لم يكن الاستدلال فليس المرء عالما بما لم يستدل عليه ، وإذا لم يكن عالما فهو شاك ظان. وذكروا قول رسول الله صلىاللهعليهوسلم في مساءلة الملك في القبر ما تقول في هذا الرّجل ..؟ فأمّا المؤمن أو الموقن فإنه يقول هو محمّد رسول الله قال : وأمّا المنافق أو المرتاب فإنه يقول : لا أدري سمعت النّاس يقولون شيئا فقلته (١). قالوا : وقد ذكر الله عزوجل الاستدلال على الربوبية والنبوة في غير موضع من كتابه وأمر به ، وأوجب العلم به ، والعلم لا يكون إلا عن دليل كما قلنا.
قال أبو محمد : هذا كل ما موهوا به قد تقصيناه لهم غاية التقصي ، وكل هذا لا حجة لهم في شيء منه على ما نبين بحول الله وقوته إن شاء الله تعالى لا إله إلا هو ، بعد أن نقول قولا تصححه المشاهدة ، أن جمهور هذه الفرقة أبعد من كل من ينتمي إلى البحث والاستدلال عن المعرفة بصحة الدلائل ، فاعجبوا لهذا! وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين.
قال أبو محمد : أما قولهم قد أجمع الجميع على أن التقليد مذموم وأن ما لا
__________________
(١) رواه البخاري في العلم باب ٢٤ ، والوضوء باب ٣٧ ، والجمعة باب ٢٩ ، والكسوف باب ١٠ ، والاعتصام بالكتاب والسنّة باب ٢. ومسلم في الكسوف (حديث ١١). ومالك في الكسوف (حديث ٤). وأحمد في المسند (٦ / ٣٤٥).