وعلى أن القرآن كلام الله عزوجل وكذلك سائر الكتب المنزلة كالتوراة والإنجيل والزبور والصحف وكل هذا لا خلاف فيه بين أحد من أهل الإسلام.
فقالت المعتزلة : إن كلام الله عزوجل صفة فعل مخلوق. وقالوا إن الله تعالى كلّم موسى عليهالسلام بكلام أحدثه في الشجرة.
وقال أهل السنة : إن كلام الله تعالى هو علمه لم يزل ، وهو غير مخلوق ، وهو قول الإمام أحمد بن حنبل وغيره. وقالت الأشعرية : كلام الله تعالى صفة ذات لم تزل غير مخلوقة وهو غير الله تعالى وخلاف الله تعالى وهو غير علم الله تعالى ، وإنه ليس لله تعالى إلا كلام واحد. واحتج أهل السنة بحجج منها :
أن قالوا إن كلام الله عزوجل لو كان غير الله تعالى لكان لا يخلو من أن يكون جسما أو عرضا ، فلو كان جسما لكان في مكان واحد ، ولو كان ذلك لكان لم يبلغنا كلام الله عزوجل ولا كان يكون مجموعا عندنا في كل بلد كذلك. وهذا كفر. ولو كان عرضا لاقتضى حاملا ولكان كلام الله الذي هو عندنا هو غير كلامه الذي عند غيرنا وهذا محال. ولكان أيضا يفنى بفناء حامله ، وهذا لا يقولونه.
قالوا : ولو سمع موسى كلام الله عزوجل من غيره تعالى لما كان لموسى عليهالسلام في ذلك فضل علينا لأننا نسمع كلام الله عزوجل من غيره ، فصحّ أن لموسى عليهالسلام مزية على من سواه وهو أنه عليهالسلام سمع الله تعالى مكلّما له بلا خلاف من سواه.
وأيضا فقد قامت الدلائل على أن الله تعالى لا يشبهه شيء من خلقه بوجه من الوجوه ولا بمعنى من المعاني ، فلما كان كلامنا غيرنا وكان مخلوقا وجب ضرورة أن يكون كلام الله عزوجل ليس مخلوقا ، وليس غير الله تعالى كما قلنا في العلم سواء بسواء.
قال أبو محمد : وأمّا الأشعرية فيلزمهم في قولهم إن كلام الله تعالى غير الله ما ألزمناهم في العلم والقدرة سواء ، مما قد تقصيناه قبل هذا والحمد لله رب العالمين.
وأما قولهم إنه ليس لله تعالى إلا كلام واحد فخلاف مجرد لله تعالى ولجميع أهل الإسلام ، لأن الله عزوجل يقول : (لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً) [سورة الكهف : ١٠٩].
وقال تعالى : (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ) [سورة لقمان : ٢٧].