والمصلوب ، والمعلق ، فلو كان على ما يقدر من يظن أنه لا عذاب إلا في القبر المعهود لما كان لهؤلاء فتنة ، ولا عذاب قبر ، ولا مساءلة ، ونعوذ بالله من هذا ، بل كل ميت فلا بد له من فتنة ، وسؤال ، وبعد ذلك سرور أو نكد إلى يوم القيامة فيوفون حينئذ أجورهم وينقلبون إلى الجنة أو النار.
وأيضا فإن جسد كل إنسان فلا بد له من العود إلى التراب يوما ما ، كما قال تعالى : (مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى) [سورة طه آية رقم ٥٥].
فكل من ذكرنا من مصلوب أو معلق أو محرق أو أكيل سبع أو دابة فإنه يعود رمادا أو رجيعا ، أو يتقطع فيعود إلى الأرض ، ولا بدّ ، وكل مكان استقرت فيه النفس إثر خروجها من الجسد فهو قبر لها إلى يوم القيامة ، وأما من ظن أن الميت يحيى في قبره فخطأ لأن الآيات التي ذكرنا تمنع من ذلك ، ولو كان ذلك لكان تعالى قد أماتنا ثلاثا وأحيانا ثلاثا ، وهذا باطل ، وخلاف القرآن ، إلا من أحياه الله تعالى آية لنبي من الأنبياء. (الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ) [سورة البقرة آية رقم ٢٤٢]. (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها قالَ أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ) [سورة البقرة آية رقم ٢٥٩].
وكذلك قوله تعالى : (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها) إلى قوله : (إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) [سورة الزمر آية رقم ٤٢].
فصح بنص القرآن أن روح من مات لا ترجع إلى جسده إلا إلى الأجل المسمى ، وهو يوم القيامة ، وكذلك أخبر رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه رأى الأرواح ليلة أسري به عند سماء الدنيا عن يمين آدم عليهالسلام أرواح أهل السعادة ، وعن شماله أرواح أهل الشقاء ، وأخبر عليهالسلام يوم بدر إذ خاطب القتلى وأخبر أنهم وجدوا ما توعدهم به حقا قبل أن يكون لهم قبور ، فقال المسلمون يا رسول الله أتخاطب قوما قد جيّفوا فقال عليهالسلام «ما أنتم بأسمع لما أقول منهم» (١) فلم ينكر عليهالسلام على المسلمين قولهم إنهم قد جيّفوا وأعلمهم أنهم سامعون فصح أن ذلك لأرواحهم فقط بلا شك ، وأما الجسد فلا حس له.
قال أبو محمد : ولم يأت قط عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم في خبر يصح أن أرواح
__________________
(١) رواه مسلم في الجنة وصفة نعيمها وأهلها حديث رقم ٧٧ ، والنسائي في الجنائز باب ١١٧ ، وأحمد في المسند (١ / ٧٢).