قال أبو محمد : وهذا الخبر صحيح إلا أنه لا حجة فيه لأنه ليس فيه أن عجب الذنب يحيا ، ولا أنه يركب فيه حياة ، ولا أنه يعذب ولا ينعم وهذا كله مقحم في كلام النبي صلىاللهعليهوسلم.
وإنما في الحديث أن عجب الذنب خاصة لا يأكله التراب ، فلا يحول ترابا وأنه منه ابتداء خلق المرء ، ومنه يبتدأ إنشاؤه ثانية فقط ، وهذا خارج أحسن خروج على ظاهره ، وأن عجب الذنب خاصة تتبدد أجزاؤه ، وهي عظام تحسها لا تحول ترابا ، وأن الله تعالى يبتدئ الإنشاء الثاني يجمعها ثم يركب تمام الخلق للإنسان عليه ، وأنه أول ما خلق من جسم الإنسان ، ثم ركب عليه سائره.
وإذ هذا ممكن لو لم يأت به نص فخبر رسول الله صلىاللهعليهوسلم أحق بالتصديق من كل خبر ، لأنه عن الله عزوجل.
قال تعالى : (هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ) [سورة النجم آية رقم ٣٢].
وقال تعالى : (ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ) [سورة الكهف آية رقم ٥١].
وقال أبو بكر بن كيسان الأصم : لا أدري ما الروح ولم يثبت شيء غير الجسد.
قال أبو محمد : وسنبين إن شاء الله تعالى فساد هاتين المقالتين في باب الكلام في الروح والنفس من كتابنا هذا بحول الله وقوته.
والذي نقول به في مستقر الأرواح ، هو ما قاله الله تعالى ، ونبيه صلىاللهعليهوسلم ، لا نتعداه فهو البرهان الواضح ، وهو أن الله تعالى قال : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ) [سورة الأعراف آية رقم ١٧٢].
وقال تعالى : (وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا) [سورة الأعراف آية رقم ١١].
فصح أن الله عزوجل خلق الأرواح جملة وهي الأنفس.
__________________
ـ ١٤٣. وأبو داود في السنّة باب ٢٢. والنسائي في الجنائز باب ١١٧. وابن ماجة في الزهد باب ٣٢. ومالك في الجنائز (حديث ٤٩). وأحمد في المسند (٢ / ٣٢٢ ، ٤٢٨ ، ٤٩٩ ، ٣ / ٢٨).