وكذلك أخبر عليهالسلام : «أن الأرواح جنود مجنّدة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف» (١).
قال أبو محمد : وهي العاقلة الحساسة ، وأخذ عزوجل عهدها وشهادتها وهي مخلوقة مصورة عاقلة ، قبل أن يأمر الملائكة بالسجود لآدم على جميعهم السلام ، وقبل أن يدخلها في الأجساد ، والأجساد يومئذ تراب وماء ، ثم أقرها تعالى حيث شاء ، لأن الله تعالى ذكر ذلك بلفظة «ثم» التي توجب التعقيب والمهلة ، ثم أقرها عزوجل حيث شاء وهو البرزخ الذي ترجع إليه عند الموت ، لا تزال يبعث منها الجملة بعد الجملة فينفخها في الأجساد المتولدة من المنيّ المنحدر من أصلاب الرجال ، وأرحام النساء ، كما قال تعالى : (أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى ثُمَّ كانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى) [سورة القيامة آية رقم ٣٧].
وقال عزوجل : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً) [سورة المؤمنون آية رقم ١٣].
وكذلك أخبر رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أنه يجمع خلق ابن آدم في بطن أمّه أربعين يوما ، ثمّ يكون علقة مثل ذلك ، ثمّ يكون مضغة مثل ذلك ، ثمّ يرسل الملك فينفخ فيه الرّوح». (٢)
وهذا نص قولنا والحمد لله ، فيبلوهم الله عزوجل في الدنيا كما شاء ثم يتوفاها فترجع إلى البرزخ الذي رآها فيه رسول الله صلىاللهعليهوسلم ليلة أسري به عند سماء الدنيا ، أرواح أهل السعادة عن يمين آدم عليه الصلاة والسلام ، وأرواح أهل الشقاوة عن يساره عليهالسلام ، وذلك عند منقطع العناصر ، وتعجّل أرواح الأنبياء عليهمالسلام وأرواح الشهداء إلى الجنة.
وقد ذكر محمد بن نصر المروزي عن إسحاق بن راهويه أنه ذكر هذا القول الذي قلنا بعينه وقال : على هذا أجمع أهل العلم.
__________________
(١) رواه البخاري في أحاديث الأنبياء باب ٢. ومسلم في البر والصلة والآداب حديث ١٥٩ و ١٦٠. وأبو داود في الأدب باب ١٦. وأحمد في المسند (٢ / ٢٩٥ ، ٥٢٧ ، ٥٣٧).
(٢) رواه البخاري في بدء الخلق باب ٦ ، وأحاديث الأنبياء باب ١ ، والقدر باب ١ ، والتوحيد باب ٢٨. ومسلم في القدر حديث ١. وأبو داود في السنّة باب ٦. والترمذي في القدر باب ٤. وابن ماجة في المقدمة باب ١٠.