قال أبو محمد : وهذا قول جميع أهل الإسلام حتى خالف من ذكرنا ، وهذا هو قول الله عزوجل : (فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ) [سورة الواقعة آية رقم ٩].
وقوله تعالى : (وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ إِنَّ هذا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ) [سورة الواقعة آية رقم ٩٣].
ولا تزال الأرواح هنالك حتى يتم عدد الأرواح كلها بنفخها في أجسادها ، ثم برجوعها إلى البرزخ المذكور فتقوم الساعة ، ويعيد الله عزوجل الأرواح ثانية إلى الأجساد ، وهي الحياة الثانية ، ويحاسب الخلق ، فريق في الجنة ، وفريق في السعير ، مخلدين أبدا.
قال أبو محمد : وقال الأشعرية : معنى قول النبي صلىاللهعليهوسلم في العهد المأخوذ في قول الله عزوجل : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ) [سورة الأعراف آية رقم ١٧٢] أن «إذ» هاهنا بمعنى إذا ، فقول في غاية السقوط ، لوجوه خمسة أولها : أنه دعوى بلا دليل ، والثانية : أن «إذ» بمعنى إذا لا يعرف في اللغة ، وثالثها : أنه لو صح له تأويله هذا الفاسد وهذا لا يصح لكان كلاما لا يعقل ولا يفهم ، وإنما أورده عزوجل حجة ، ولا يحتج الله عزوجل إلا بما نفهم لا بما لا نفهم ، لأن الله تعالى قد تفضل علينا بإسقاط الإصر عنا ، ولا إصر أعظم من تكليفنا فهم ما ليس في بنيتنا فهمه ، ورابعها : أنه لو كان كما ادعى لما كان على ظهر الأرض إلا مؤمن.
والعيان يبطل هذا لأننا نشاهد كثيرا من الناس لم يقولوا قط ربنا الله ممن نشأ على الكفر وولد عليه إلى أن مات ، وممن يقول بأن العالم لم يزل ولا محدث له من الأوائل والمتأخرين.
وخامسها : أن الله عزوجل إنما أخبر بهذه الآية عما فعل ودلنا بذلك على أن الذكر يعود بعد فراق الروح للجسد كما كان قبل حلوله فيه ، لأنه تعالى أخبرنا أنه أقام علينا الحجة بذلك الإشهاد دليلا ، كراهية أن نقول يوم القيامة : إنا كنا عن هذا غافلين ، أي عن ذلك الإشهاد المذكور ، فصح أن ذلك الإشهاد كان قبل هذه الدار التي نحن فيها التي أخبرنا الله عزوجل فيها بذلك الخبر وقبل يوم القيامة أيضا ، فبطل بذلك قول بعض الأشعرية وغيرها ، وصح أن قولنا هو نص الآية والحمد لله رب العالمين.